كتب الدكتور عبدالله ناصر الفوزان مقالا في العدد 3307 من "الوطن" يوم الاثنين 30 شوال 1430 19 أكتوبر 2009 تحت عنوان "رئيس الحوار الوطني ينتقد الحوار الوطني" منتقدا ما جاء في المحاضرة التي ألقيتها في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تحت عنوان " دور الحوار في تعزيز الوحدة الوطنية"، وبنى انتقاده على ما نشرته صحيفة الحياة عن المحاضرة. ولتوضيح الأمور التي التبست على الكاتب وغيره ممن قرأ مقاله، نورد هنا ملخصا للمحاضرة المشار إليها، والتي ألقيت في مسجد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على جمهور من طلبة العلم الشرعي، بعد صلاة المغرب يوم الثلاثاء 17/10/1430 وقد صُمّمت المحاضرة على أساس شمولها لعناصر رئيسة: أولا: أن للحوار دورا وقائيا ودورا داعما في تعزيز الوحدة الوطنية: ويتركز الدور الوقائي في مقاومة التأثيرات السلبية على الوحدة الوطنية، ويركز الدور الداعم على التوعية بمفهومنا الخاص نحن المواطنين السعوديين للوحدة الوطنية. ثانيا: بما أن نقيض الوحدة: الفرقة والشتات، وأن اختلاف الاتجاهات والآراء والمفاهيم هو أساس الفرقة، فإن الحوار ينتهي في الغالب بالقضاء على الاختلاف، أو على الأقل بتحييد آثاره الضارة، ومعروف أن الحوار هو البديل الصالح عن العنف في أحوال الاختلاف، وهذا يلخص الدور الوقائي للحوار. ثالثا: فيما يتعلق بدور الحوار الداعم للوحدة الوطنية، فيتحقق بالتوعية بالمفهوم السليم للوحدة الوطنية، ونشر هذا الوعي ومقاومة التشويش في فهم هذا المصطلح، ذلك أن (الوحدة الوطنية) مؤسسة على فكرة (الوطنية) وهذا المصطلح (الوطنية) له مفاهيم متعددة بل ومتعارضة. فكل بلد من البلدان له مفهومه الخاص للأساس الفكري للوطنية، وقد يكون هذا الأساس الفكري سندا للاتحاد كما يكون سندا لحركات الانفصال. وضربت المحاضرة مثلا بالإلزاس واللورين، حينما كان النزاع عليها بين ألمانيا وفرنسا، وكان الأساس الفكري للوطنية لدى كل طرف هو سند حجته السياسية في دعوى أن الإقليم جزء منه. كما أوردت المحاضرة أمثلة من العالم العربي حينما شاعت النظريات الوطنية المختلفة: الفرعونية، والفينيقية والآشورية... إلخ، وأن الشام ظل في كل العصور التي يعرفها التاريخ اسما يطلق على مجموعة بشرية واحدة تسكن أرضا واحدة، ثم تمزقت أشلاء وطنية سميت: سوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين. والتشويش في فهم الوطنية قد ينتهي بنتائج مدمرة، ومن أمثلة ذلك أن أول تجربة لوطننا الحبيب مع الإرهاب والتفجير وخطف الطائرات كان الاتهام فيها يوجه إلى شباب يجمعهم أنهم يرفعون شعار الوطنية بالرغم من انتمائهم إلى اتجاهات وعقائد فكرية مختلفة. لقد تحول هؤلاء بعد أن نضجوا وتقدمت بهم السن إلى مواطنين صالحين، بل كان بعضهم مثلا يحتذى للمواطن الصالح، ولم يكن العامل الذي وجه هؤلاء الشباب إلى الإرهاب العمر فقط وإنما كان التشويش في فهم الوطنية. رابعا: أن المواطنين في المملكة العربية السعودية، وكلهم مسلمون يسلّمون بأن الإسلام لهم: منهج حياة، ويعتقدون مرجعية القرآن والسنة الصحيحة في توجيه هذا المنهج، لهم – أو يجب أن يكون لهم- مفهوم خاص (للوطنية) وبالتالي (للوحدة الوطنية). هذا المفهوم يختلف في المعنى والقيمة والوزن عن مفاهيم الآخرين. هذا المفهوم يسمو ب"الوحدة الوطنية" إلى أن تكون جزءا من العقائد الإيمانية التي يلقنها النشء. هذا المفهوم ليس فقط أعظم قوة رسوخا بحكم صلته بعلم العقيدة، بل إنه مفهوم منسجم متناسق يبرأ من التناقض الذي يظلل مفاهيم الآخرين. كما يتسم بالعمق والشمول، ويقاوم كل فرصة للتشويش الفكري وسوء الفهم، والبذور الفكرية للتفرقة والشقاق. خامسا: مفهومنا للوحدة الوطنية، يجب أن يشمل كل ما يشمله مصطلح (الجماعة) التي لا يكاد متن من المتون المختصرة في علم العقيدة يغفل التنصيص عليها عند تعداد مسائل الاعتقاد. على سبيل المثال متن العقيدة (الطحاوية) المكتوب في القرن الثالث حيث يتضمن هذا النص "و(نعتقد) الجماعة حقا وصوابا والفرقة زيغا وعذابا". مصطلح (الجماعة) لا يشمل مجرد المعنى اللغوي والشكلي للمصطلح، بل يتجاوز ذلك إلى تحقيق قيم: الأخوة والموالاة والتكافل والتواد والتراحم. ويعني دوائر متعددة يتضمن بعضها بعضا، ولكنها تعتمد على الأساس الفكري نفسه، وهذا سر قوتها في الانسجام والتناسق وعدم إتاحة الفرصة للتناقض، أو أن تحمل الفكرة بذور هدمها. تبدأ مؤامرة صغيرة هي دائرة (الأسرة) وتقتضي من الفرد تحمل أبلغ المسؤوليات تجاه أفراد الأسرة الآخرين من الوالدين والأولاد والإخوة والأخوات والأقارب، وتحيط بدوائر (الأسر) دائرة الجوار (الحي) وللجار حقوق تتجاوز حقوق غير الجار، ثم تجيء دائرة (المدينة) و(القرية) وتتميز بحقوق لأفرادها ليست لغيرهم، فلا يُتَجاوز المحتاجون فيها – فيما يتعلق بحقهم في الزكاة- حتى تدفع حاجتهم ((أخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)). وهكذا تتسع الدوائر حتى تشمل دائرة الأمة التي تكرر في القرآن اقترانها بعقيدة التوحيد (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون). (الجماعة) في عقيدة المواطن السعودي دوائر تنداح كما تنداح دوائر الماء عندما تلقي فيه بالحجر، تبدأ دائرة صغيرة وتنتهي بدائرة عظمى اسمها (الأمة) في داخل هذه الدائرة الواسعة توجد دائرة ضيقة نسبيا هي مركز الإسلام (الوطن السعودي). هذه الدائرة تشمل ما يطلق عليه الفقهاء إلى ما بعد عصر الشافعي (مكة ومخاليفها (أي توابعها) والمدينة ومخاليفها واليمامة ومخاليفها أي ما تشمله تقريبا في الوقت الحاضر الحدود السياسية للمملكة العربية السعودية. وهذه الدائرة تتميز بخصائص وتحكمها قواعد شرعية خاصة، من أبرزها: وجوب أن يكون المواطن فيها مسلما، ولا يجوز أن يكون غير المسلم مواطنا فيها. وعندما سأل أحد المستمعين المحاضر عن أهمية الأرض في مفهوم الوطن، أكد المحاضر أن الأرض مقوم أساسي للوطن، سواء كانت الأرض حقيقة واقعية أو افتراضية وهمية، ومثّل المحاضر للأرض الواقعية بمركز الإسلام (الوطن) بالنسبة للمواطن السعودي، وللأرض الافتراضية أو الوهمية بالأرض الموعودة لشعب الله المختار (يسريل إسرائيل – إسرائيل الكبرى) بالنسبة لليهودي. وتظهر أهمية الأرض كمقوم للوطن من أن السياسيين الغربيين عندما يريدون أن يعبروا عن تأييدهم لدعوى الوطنية اليهودية، يصرحون بتأييدهم لفكرة الأرض الموعودة، واستشهد على ذلك بخطابي الرئيسين الأمريكيين في الكنيست (كلينتون في أكتوبر 1995م وبوش في 15 مايو 2008) إيضاح: كما ترى الشعور الإيجابي الشرعي للفرد المسلم تجاه (الجماعة) سواء في الدائرة الصغيرة أو الدائرة الكبيرة ذو أساس فكري واحد يتفق في الطبيعة، وإن اختلف في القوة أو بعبارة أخرى في الحقوق والالتزامات. وبالعكس فإن انعدام هذا الشعور الإيجابي الشرعي أو ضعفه أو من باب أولى تحوله إلى شعور سلبي، يجعل الفرد يقع ضمن أحد المسميات الآتية (حسب الأحوال): (عاق، قاطع رحم، فاسق، باغ، خارجي، مرتد، جاهلي). سادسا: في المقارنة بين مفهومنا للوطنية وللوحدة الوطنية ومفاهيم الآخرين، تضمنت المحاضرة أن مفاهيم الآخرين للوطنية كانت في بعض الأحيان معوقة لفكرة الاتحاد، وكمثال على ذلك: تعويق (الوطنية) لدى بعض بلدان الاتحاد الأوروبي عن الموافقة على دستور الاتحاد. وأن هذه المفاهيم كانت في كثير من الأحيان أساسا لاتجاهات سلبية لا أخلاقية مثل ما يسمى ب"النعرة الوطنية" وكراهية غير المواطن (شوفونيزم) أو الخوف الوهمي منه (أكزنوفوبيا) وغيرها من الأمراض الاجتماعية ذات العلاقة. سابعا: مع ما أشير إليه من صحة مفهوم مصطلح (الجماعة) وقوته وسهولة سيطرته على القلوب والعقول، ورسوخه واستعصائه على التشويش في الفهم والانحراف في الفكر، إلا أن هذا لا يعني أن نستغني عن استعمال مصطلح (الوحدة الوطنية) لأن هذا المصطلح اكتسب صفة الشعار، والفكرة تبلغ أعلى مستوى لقوتها عندما تتحول إلى شعار، ولكن يجب أن يكون مفهومنا لهذا المصطلح مفهوماً واضحاً ودقيقاً بحيث يشمل كل ما يدل عليه مصطلح "الجماعة" في كتب العقيدة. وأن تتم توعية الناس بهذا المفهوم، ويتحمل مسؤولية ذلك بالوسائل المتاحة – ومنها الحوار – طلبة العلم الشرعي والمهتمون بتنمية الشعور الوطني الصادق. - تنبيه (1) نص المحاضرة كاملا يوجد على موقع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني على الإنترنت، ولكن إذا لم يكن القارىء من طلاب العلم الشرعي الذين لهم إلف بمتون العقيدة وشروحها فننصحه قبل ذلك أن يعيد قراءة الملخص ويستوعبه فهما، وإلا فنخشى أن لا يستطيع إدراك مغزى المحاضرة أو يسيء فهمها كما حدث. - تنبيه (2) يقول المثل الشائع (إذا أردت أن يصدق الناس ما تقول، فقل ما يحبون أن يسمعوه) هذا في حق السامع. أما في حق القارئ فيقول المثل الآخر (يقرأ ما يفهم ولا يفهم ما يقرأ) ونربأ بإخواننا الكتاب في الصحف السعودية أن ينطبق عليهم المثلان، ولكن المناسبة أوجبت التنبيه لأن الكاتب إذا لم يلتزم الحذر من مضرب المثلين فسوف يؤذي نفسه، وأخطر من ذلك يجر الأذى والضرر على وطنه. وفق الله الجميع للشعور بالمسؤولية الوطنية لأن ذلك هو حقيقة الوطنية الصادقة. صالح بن عبدالرحمن الحصين رئيس اللقاء الوطني للحوار الفكري