لم يكن ملتقى إستراتيجية المسرح بجدة حدثاً عادياً، ولم يأتِ إلا من فراغ الساحة من الرضا الذي بدأ يتضاءل منذ سنوات ووصل لمستوى دعا المنظمات والأفراد في مسرح جدة للتحرك نحو محاولات لانتشال المسرح من ضائقته الفنية التي لم يعرها المسؤولون اهتماماً حقيقياً ومن ضمن تلك المبادرات الجادة كان "ملتقى إستراتيجية المسرح بجدة" الذي وضع بكل شفافية سبع توصيات بعد جلسات مليئة بالندب والعويل التي لم تخلو من المطالبات ومحاولة إيقاظ المسرح من سبات طويل. فبالرغم من أن المسرح الجداوي كوَّن اسماً مهماً في مناسبات الوطن والمهرجانات الخارجية، إلا أنه كان يعاني من احتكار الفرص وما لبث أن جاء وقت تخبو فيه الفرصة ليتحول على ذكرى، ولم يقف المسرحيون عاجزين عن التغيير بل لا يزالون يناضلون لإثبات حقهم في مسرح يكتبون من خلاله ويؤدون فنهم وإبداعهم.
وتوصيات الملتقى تشيء بأمور وخلفيات يجب على المسؤول الواعي والمسرحي الفطن سبرها لتصل إليه الفكرة مذيلة بمسيرة المعاناة التي قبع مسرح جدة فيها طوال السنوات الماضية، لذلك أحببت أن ألقي عليها شيئاً من التحليل لبيان مضامينها ومقاصدها.
فجاءت التوصية الأولى بضرورة إقامة مسرح وطني ككيان يملك ميزانية وقاعة تدعم الإنتاج المسرحي الذي بات ضعيفاً في ظل مؤسسات ضعيفة ومتهالكة، وهنا يرمي المسرحيون طوقاً جديداً لهما في بحر الأمل متمنين أن يتجاوزوا القاعات الرثة والمغلقة التي تجاوزت السبعة وثلاثين قاعة في مدينة جدة وحدها، وهذا أمر مهم، فالمكان البعيد والمهمل يشعر الفنان بغربته وإبداعه عن مستقر يمارس فيه مهنته أو هوايته ويطورها ويصقلها ويصونها أيضاً، والجميل في التوصية اقتران المسرح بالوطن وهذا دليل على وعي المسرحيين بأهمية تكوين المسرح كمشروع وطن وليس كدائرة حكومية روتينية .
وجاءت التوصية الثانية بشكل صادم حيث لوَّح المسرحيون بطلب كان سبباً رئيساً في هجر المسرحيين للجمعية الثقافة والفنون وهذا يدل على أن الأسماء التي تحتويها اللجنة ليست بالكفاءة التي ترفع من أسهم الجمعية وتجعل منها مكاناً خصباً للعمل وطلب إعادة تشكيل لجنة المسرح كان مقروناً بسبب جوهري ومهم وهو لتكون مكونة من محترفين قادرين على تقدير العمل المسرحي والإخلاص له وهذه نظرة تدل على أن معايير التعيين كانت غير موفقة.
وتفاؤلاً واستبشاراً أوصى المسرحيون بدعم أعمال ومبادرات محترف كيف للفنون المسرحية ومن يماثلها من الفرق والمؤسسات لتفعيل النشاط المسرحي. وهنا نشعر بأن المحترف أضحى مشروعاً ملهماً ونجح في سد شيء من الفراغ بمحاولاته التي بدأت منذ تأسيسه ووصلت هذا العام لما تجاوز أعمال جمعية الثقافة والفنون كمهرجان أُثْمون جدة المسرحي وملتقى الإستراتيجية ومرصد المسرح السعودي وغيرها من المبادرات.
ورابع توصيات الملتقى نداء جاء من المواهب حيث اتضح أحد أهم إفرازات التجاهل واللامبالاة التي عاش يقتات عليها مسرح جدة طوال سنوات وكأن الجميع يقول بأن جاء الوقت للاهتمام بالموهوبين على مستوى أفضل وتبنيهم وتقديم الدعم والفرصة لهم لصقل مواهبهم. وتبعها على مستوى الفرق توصية خامسة تدعو إلى دعم الفرق المسرحية من خلال إتاحة المجال لها للمشاركة في المهرجانات المحلية والدولية.
ونتج عن الرؤية الشبابية الجديدة توصية سادسة سيكون لتنفيذها أثر مهم على المسرح في جدة وغيرها وهي تكوين لجنة تسويق المسرح والعمل الثقافي بجمعية الثقافة والفنون، وهذا دافع قوي ليكون للمسرح دعم ذاتي ونشاط مؤسس ومدروس الجدوى وحتى لا تقتصر على المناسبات وتفتح الجمعية الباب للتعاون مع القطاع الخاص بشكل يكون مزدوج الفائدة، وتمنى الجميع جعل هذا الملتقى دورياً سنوياً يُدْعَمُ من الجهات المعنية رسمياً ومالياً.
وبالرغم من هذه الأماني تعهد المسرحيين بمتابعة تنفيذ هذه التوصيات والسعي وراء تنفيذ ما يمكن، وتحقيق الواجب عليهم، وقد شرعوا صفحة بيضاء، وبدأ الكل يرسم خططه الجديدة، والتعاونات التي نتج عنها ترتيبات لأعمال مسرحية سيكون لها دور في تنشيط المسرح بجدة؛ فليته يعود لجمهوره ويشارك في المشهد الفني والثقافي بعد غياب قد طال.