حققت بعض الصحف الإلكترونية السعودية رغم قصر تجربتها، حضورا متميزا تجلى في اتساع دائرة قرائها ومتابعيها واستقطابها جمهورا لا يستهان به من وسائل الإعلام الأخرى. وقد حققت كل ذلك بفضل مصداقيتها وجديتها ومواكبتها للحدث وتلمّس اهتمامات وتطلعات المواطنين، ثم بفضل جدية ومهنية المسؤولين عنها. ورغم حضورها المتميز إلا أنها تعاني قصور الدعم والاعتراف الرسمي بها، وبالتالي غياب التشريعات الصريحة، مما جعلها تقف في الساحة الإعلامية وحيدة بلا سند قانوني ينظم تعاملاتها ويحمي إنتاجها ومنسوبيها.. وأكثر ما تعانيه الصحافة الإلكترونية هو السطو على موادها الصحفية وإبداعات صحفييها وإعادة نشرها دون الإشارة إلى المصدر، رغم أن هذه الأفعال المشينة تندرج ضمن الممارسات الإجرامية في كثير من دول العالم، على اعتبار أن لا فرق بين من يعتدي على مال غيره وآخر يعتدي على المواد الصحفية للآخرين، فالفعل واحد، والنتيجة واحدة، هي السطو وأخذ ما ليس له دون وجه حق. وقد تزايدت ظاهرة السرقات التي تتعرض لها الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية السعودية في الفترة الأخيرة على الرغم من صدور لائحة تنظيم النشر الإلكتروني الجديدة، وأصبح (اللطش) و(الفبركة) لحوارات كاملة ومقالات وأخبار وتحقيقات حصرية يتم (عيني عينك).
وحول أسباب هذه الظاهرة الخطيرة، ووسائل علاجها، ودور وزارة الثقافة والإعلام في تنظيم وحماية أنشطة الصحافة الإلكترونية؛ قامت (عناوين) بالتحقيق التالي: ضعف المهنية
في البداية يقول تركي الروقي المشرف العام على صحيفة (الوئام) الإلكترونية ل (عناوين): السبب أولا وأخيرا في السرقات الصحفية يعود إلى المهنية، فالصحفي الذي يملك أدوات المهنة ويجيدها لن يلجأ إلى السطو على جهود الآخرين، لأنه يستطيع أن يقدم ما لديه ويصنع اسمه بجهده، لكن فقدان المهنية يعرض الصحف والمواقع الإلكترونية السعودية المعروفة لسرقة موضوعاتها، كالأخبار والمقالات والتحقيقات واللقاءات التي تجتهد كثيرا في إنجازها.
وبسؤاله: كيف يمكن حفظ حقوق الصحف الإلكترونية في ظل هذه الظروف؟ يجيب الروقي بأن لائحة تنظيم النشر الإلكتروني التي صدرت مؤخرا من وزارة الثقافة والإعلام ستخفض هذه الظاهرة، لكن الإنترنت مليء بالخدع الجديدة للتغلب على هذا الأمر، وليس هناك سلطة تستطيع الحدَّ من هذه الظاهرة المنتشرة عربيا إلا سلطة الرقابة الذاتية، فمتى عززت هذه السلطة نستطيع أن نقول إن هذه الظاهرة ستتقلص. وحول الإجراء المطلوب اتخاذه من الصحف الإلكترونية المتضررة من سرقة موادها؟ يقول الروقي: "هناك من يلجأ للتشهير وإيضاح الموقف من جانبه بالدلائل والإثباتات، وهناك من يقول اللهم ارزقني وارزق غيري (!)، ولكن أرى بأن التكاتف والتعاون سيسهمان في الحد من هذه الظاهرة، كما أن هناك إجراءات داخلية في الصحيفة بإمكانها الحد من هذه الظاهرة، منها: عدم نشر المادة إلا بعد التأكد من أنها من إعداد المحرر أو الكاتب، وأيضا بناء شخصية المحرر المهنية بتعويده على الاجتهاد والبُعد عن الاتكال.
أعداؤكم الصحف الورقية لكن لماذا كثرت التعديات من المنتمين للصحافة الإلكترونية مقارنة بزملائهم في الصحافة الورقية؟ يجيب الإعلامي والكاتب الصحفي أحمد العرفج قائلاً ل (عناوين): "إن صحافة النت تعتبر مولودا غير شرعي في المجتمع السعودي، ويجب أن يتلمس أصحابها الطرق الأمينة والسليمة إلى شرعيتهم في المجتمع لجعلها مولودا قانونيا يعتمد عليه فيحال على مصادره، وهذا الإجراء لن يتم حتى يتوب بعض المنتمين للصحافة الإلكترونية توبة نصوح عن سرقة بعضهم بعضا، ويقدموا أنفسهم على أنهم أصحاب صناعة محترمة، فيحيلون الأخبار إلى مصادرها، ويعطون لأهل الحقوق حقوقهم. فمثلا أتذكر حوارا خاصا أُجري معي في صحيفة (عناوين) تفاجأت بعد نشره بنقله لأكثر من (70) موقعا وصحيفة إلكترونية، ومع ذلك لم ينسب الحوار لمصدره (عناوين) إلا من قبل صحف تعد على أصابع اليد الواحدة، وهذه كارثة في الأمانة الصحفية.
ويضيف العرفج: يا أهل الصحف الإلكترونية أثبتوا أنكم أمناء على مهنتكم، فراعوا الأمانة، لأن أعداءكم من الصحف الورقية يجدون ذلك مدخلا لتأليب السلطة عليكم وتحريض وزارة الثقافة والإعلام على إغلاق صحفكم كما تغلق المحلات في وقت الصلاة.
نعاني في سبق وفي السياق ذاته يقول المشرف العام على صحيفة (سبق) علي الحازمي ل (عناوين): أعتقد أن انتشار اللصوصية الإلكترونية ظاهرة عالمية ولا تخص المملكة وحدها، وعمليات السطو لا تتم فقط من قبل مواقع إلكترونية، بل من بعض الصحف الورقية أيضا، وغالبا ما يضع محرروها أسماءهم على مواد لا دور لهم فيها، ومع ذلك لا ينتبه المسؤولون فيها لذلك، فتتحول المسألة إلى ظاهرة تنتقل عدواها للآخرين، وعلينا من حيث المبدأ أن نميز بين عمليات النقل المشروعة وعمليات التعدي التي تعني نقل مادة ونسبها لجهة جديدة لم تبذل فيها جهدا.
وحول دور صحيفة (سبق) في هذا الموضوع يقول (الحازمي): نلتزم في (سبق) عند نقل أي مادة من مصدر إلكتروني آخر بالإشارة إلى هذا المصدر، وعانينا مرارا من هذه السرقات، وفي تقديري أن انتشار جرائم السطو الإلكتروني تعود لثلاثة أسباب تتصل ببعضها، أبرزها: عدم توافر مصادر معلومات لديها، وأن يقوم البعض بعمليات السطو معتقدا أن القارئ لن يلاحظ ما قام به، وقيام بعض المحررين بشكل فردي بعمليات السطو نتيجة افتقادهم الأخلاقيات التي تمنع هذا الفعل.
وعن أكثر الموضوعات الصحفية الإلكترونية إغراء بالسطو؟ يجيب علي الحازمي: من خلال تجربتنا في (سبق)، فإن أكثر المواد التي يتم السطو عليها تتمثل في التقارير الخاصة، والأخبار المتصلة بالقضايا الكبرى، مثل: فتاوى المشائخ، وخلافات الوسط الثقافي ... إلخ. وعمن يوجه لبعض الصحف الإلكترونية اتهامات بسرقة بعض مواد الصحف الورقية، يقول الحازمي: في تقديري أن الطبيعة السريعة للصحف الإلكترونية هي التي تجعلها خلافا للورقية ضحية لعمليات السطو، لذا فالإجراء المطلوب اتخاذه من الصحف الإلكترونية التي تعاني سرقة موادها تخصيص قسم لمتابعة خصوصية المادة القادمة إليها، حتى لا يتمكن أحد من تمرير مادة مسروقة، وفي الوقت ذاته يقوم القسم ذاته بمراقبة عمليات السطو على الحقوق الفكرية، ومن ثم التحرك باتجاه محاسبة من يقوم بذلك، وهذا يرتبط بالجانب القانوني القائم الذي يحتاج إلى إعادة نظر حتى يكون مواكبا للجرائم المستجدة.
(طقها وإلحقها) ومن جهته، يؤكد محمد الساعد رئيس تحرير شبكة (مصدر) الإخبارية الإلكترونية ل (عناوين)، إن بعض الصحف الإلكترونية لا يحكمها العمل الصحفي والمهنية العالية والأخلاق وحسن الأدب.. فتخيل أن أحد المواقع الذي يسمي نفسه صحيفة إلكترونية يسمح بأن يكتب في الردود (فلان كاتب حمار)، وغير ذلك من التجاوزات الأخلاقية.. فأين المهنية؟. ويضيف الساعد: "إن سهولة إنشاء صحيفة إلكترونية أسهم بشكل كبير في وجود مثل هذه التجاوزات والممارسات.. ففكرة إنشاء موقع صحيفة للمنطقة والإقليم والقبيلة أصبحت سهلة جدا، وقد لا تتفاجأ بأن ينشئ أحد ما صحيفة باسم الشارع الذي يسكن فيه، وأنا أشبهها كمن يصحو في الصباح ويقول "يالله شباب نسوي صحيفة إلكترونية"، فيبدأ بسرقة موضوع من هنا، ومقال من هناك، وهكذا.. وهذا شبيه - في رأيي - بفكرة كثيرا ما نراها في الفرق الرياضية المتواضعة والتي يطبقها المنتخب السعودي الحالي، وهي الخطة الشهيرة (طقها وإلحقها).
ويستطرد الساعد قائلاً: "ومثال على ذلك حواراتكم في صحيفة عناوين وموضوعات من صحيفتنا مصدر، تؤخذ ولا يذكر المصدر أو تتم الإشارة إليه.. والأدهى والأمر أن بعض الصحف الورقية أصيبت بالعدوى وبدأت تأخذ موضوعات وأخبار الصحف الإلكترونية وتنسبها لنفسها.
وعن أهمية إيجاد نظام أو قانون يحفظ حقوق الصحف الإلكترونية من سرقة موادها وموضوعاتها، يقول الساعد: "أنا ضد الرقابة على الصحف الإلكترونية، لكنني مع القانون والنظام ومرجعية وزارة الثقافة والإعلام، والزمن كفيل بفرز الصحافة القوية ذات المهنية العالية من الصحف الوقتية الضعيفة على النت، وأدعو لإنشاء رابطة للصحافة الإلكترونية السعودية ووجود تعاون بين الصحف الإلكترونية بما يقويها ويحقق تطلعات القائمين عليها كقطاع ينتظره مستقبل كبير في الإعلام".
نسرق بتوجيه لكن ماذا عن اللصوص؟ من هم؟ وما دوافعهم لهذا السطو المكشوف على مواد الصحف الأخرى؟ ولماذا هذا الاستخفاف بوعي القارئ وإدراكه؟ وما الطريقة المتبعة في سطوهم؟ نتعرف على ذلك بلقاء (ع.م) وهو من جنسية عربية إفريقية كان يعمل متعاونا مع أحد المواقع الذي يسمى مجازا صحيفة إلكترونية، يقول (ع. م) ل (عناوين): "عملت متعاونا بوظيفة محرر ديسك مع أحد المواقع التي تطلق على نفسها صحيفة إلكترونية، وتفاجأت بأن المشرف على الموقع لا يفهم أسس الصحافة، ولا يعرف يكتب حرفين على بعض، والأمر بالنسبة له وجاهة.. ويطالب بتصفح الصحف الإلكترونية البارزة ك (عناوين، سبق، الوئام، وإيلاف... إلخ) وأخذ الموضوعات التي تلقى إقبالا كبيرا من القراء، لذا كان اعتمادنا على ما ينشر من مصادر الأخبار الورقية والإلكترونية، حتى في التصاميم الفنية.. ويضيف (ع .م) بأن السرقة منتشرة بشكل كبير في الفضاء الإلكتروني كله، وخطواتها لا تستغرق بضع ثوانٍ وعملية قص ولصق مع تغيير بسيط في المقدمة والعناوين، وأحياناً ينزل كما هو ويكتب متابعات للتمويه دون ذكر المصدر، وأحيانا يؤخذ موضوع بالكامل مع حذف اسم الكاتب ووضع اسم آخر بدلا له، ليتم بعدها نشر الموضوع في الموقع ووضع رد أو ردين جديدين من المحرر المسؤول بتاريخين قديمين للتمويه على القارئ. وأضاف (ع.م): "أعلم أن المصداقية رأسمال أي صحفي، لكن السرقات كثيرة والموضوع مش عاوز شطارة".
لا بد من جود قانون رادع لكن ماذا عن الجانب القانوني في هذا الموضوع؟ متى يعاقب سارقو المواد الصحفية؟ وكيف تحمي الصحف الإلكترونية نفسها قانونيا؟ يوضح ذلك المستشار أ. د. إبراهيم محمد العارف أستاذ القانون في جامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية ل (عناوين)، مؤكدا أن البروز المستمر للصحافة الإلكترونية لم يوازيه تحرك سريع نحو تعزيز الوضع التنافسي في المجال الإلكتروني عبر تنظيمه قانونيا ومهنيا، مما مهد لظهور جرائم وتهديدات خطيرة، كنشر الإشاعات والآراء غير الدقيقة والمقالات المغرضة، وسرقة المواد والموضوعات المنشورة على المواقع دون أن تطال من يقوم بذلك إجراءات عقابية رادعة.
ويضيف أ.د. العارف أنه من المتوقع مع تزايد الموارد المالية والإعلانات التجارية على مواقع الصحف الإلكترونية السعودية بصفتها قطاعا واعدا، أن تتزايد شراسة المنافسة بشكل أكثر خطورة، مما سيضغط على الجهات الرسمية لتحدد أطره العامة قانونيا وتشرع لوائحه وتطبق قانون المطبوعات وقانون النشر السعودي الخاص بوسائل الإعلام التقليدية المعروفة على وسائل الإعلام الإلكترونية، ففي ظل عدم وجود نظام يصنف الصحف الإلكترونية ويمنحها الترخيص المناسب، ستصبح لدينا صحف عشوائية لا تراعي الحقوق العامة والخاصة للآخرين، لأن من يقوم عليها غالبا هم أشخاص غير محترفين يقعون في فخ الأخطاء القانونية دائما.