حاولت السعودية وسوريا تهدئة التوتر في لبنان بشأن توجيه اي اتهامات لعناصر من حزب الله في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري، لكنهما اختلفتا حول محكمة شكلتها الاممالمتحدة لمحاكمة المشتبه بهم. وذكرت (رويترز) الجمعة 6 أغسطس 2010، أن الزيارة التي قام بها العاهل السعودي الملك عبد الله والرئيس السوري بشار الاسد، هدأت من المعارك الكلامية بين الفصائل اللبنانية بشأن رفض زعيم حزب الله حسن نصر الله للمحكمة بوصفها "مشروعا اسرائيليا". غير ان السعودية وسوريا تدعمان فصائل لبنانية متناحرة - وهذا أحد أوجه صراع أوسع نطاقا على النفوذ الاقليمي بين المملكة التي يحكمها السنة وايران الشيعية. وبالنسبة للرياض أظهرت الزيارة التي قام بها الزعيمان لبيروت أن الاسد قد يبتعد عن ايران حليفته غير العربية، ربما مقابل اطلاق يد دمشق في لبنان الذي انسحبت منه القوات السورية عام 2005 بعد موجة غضب لبنانية وغربية بشأن اغتيال الحريري. ويقول طارق الحميد رئيس تحرير صحيفة الشرق الاوسط ان المملكة لم تعط سوريا الضوء الاخضر لاستعادة قبضتها الحديدية القديمة على لبنان. وأضاف "الزعيم السوري وصل على متن طائرة العاهل السعودي.. هذا يبعث برسالة قوية لايران... الاهم الان هو مراقبة ما تفعله سوريا لا ما تقوله". وتحاول السعودية حليفة الولاياتالمتحدة التي يقلقها نفوذ ايران المتزايد منذ حرب العراق عام 2003 وصلات طهران بسوريا وحركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) طوال عامين اقناع دمشق بتحجيم تحالفها مع طهران. وقال الكاتب السعودي المتخصص في الشؤون السياسية خالد الدخيل "السعوديون والسوريون متوافقون بشأن العراق اكثر من توافقهم بشأن لبنان... لا تريد الدولتان رئيس وزراء مدعوما من ايران (في بغداد). كما أنهما لا تريدان أن تهيمن ايران على العراق لان هذا سيضعفهما." ويرصد بعض المحللين العرب مثل مصطفى العاني من مركز الخليج للابحاث ومقره دبي تغيرا طفيفا في وضع سوريا. وقال العاني "السوريون يتحولون من العلاقات الاستراتيجية مع ايران الى العلاقات الطيبة" مضيفا أن زيارة الاسد تمثل اقرارا مجددا بسيادة لبنان. وأضاف "أحجم السوريون دوما عن الاعتراف باستقلال لبنان. السعوديون نجحوا حتى الان في وضع السياسة السورية تجاه لبنان على المسار الصحيح...من خلال تغيير علاقة تعتبر فيها سوريا نفسها السيد." وأصلح رئيس وزراء لبنان سعد الحريري الذي كان يتهم السوريين بالضلوع في اغتيال والده العلاقات مع الاسد الذي وسع بالتالي نطاق حواره مع المفاوضين اللبنانيين. ويرى بعض المحللين أن هذا سيؤدي الى تمييع وضع حزب الله المميز في دمشق. وقال بول سالم رئيس مركز كارنيجي في الشرق الاوسط ان العلاقة بين الاسد والحريري الان قوية. وأضاف "هذا مثار قلق بالنسبة لحزب الله لانه صديق سوريا الرئيس في لبنان. الان أصبح لدى سوريا صديقان رئيسيان على الاقل." ونوعت سوريا من صداقاتها في المنطقة ايضا وطورت علاقات وثيقة مع تركيا القوة الاقتصادية وعضو حلف شمال الاطلسي صاحبة العلاقات الجيدة ايضا مع الرياضوطهران. لكن الاسد لا يزال محجما عن التخلي عن تحالفه مع طهران الذي استمر 30 عاما او اضعاف صلاته بحزب الله التي تعتبر ورقة قوية في صراع سوريا مع اسرائيل. وفي لبنان يختلف الاسد مع الملك عبد الله بشأن المحكمة التي أنشأتها الاممالمتحدة والتي لم يرد ذكرها في بيانهما المشترك ببيروت على الرغم من أن هذا كان سبب زيارتهما للبلاد. وقال الحميد "هناك نقطة خلاف أساسية تتعلق بالمحكمة. السعودية تقول انه لا يمكن تجنبها". وتدعم السعودية وحلفاؤها في لبنان وأبرزهم رئيس الوزراء الحالي ابن الحريري الراحل المحكمة التي يوجد مقرها في لاهاي. والرياض من بين المساهمين الرئيسيين في ميزانيتها. وكان محققو الاممالمتحدة قد أشاروا في البداية الى ضلوع سوريا في اغتيال الحريري. ونظرت دمشق دوما الى المحكمة بارتياب ووصفتها بأنها ذات دوافع سياسية. ويقول مسؤولون ان توجيه اي اتهامات لحزب الله "سيكون معناه استهداف سوريا." وعمل نصر الله زعيم حزب الله على تقويض مصداقية المحكمة منذ ان كشف في يوليو أن الحريري الابن أبلغه بأنها تعتزم توجيه اتهامات لعناصر "مارقة" بحزب الله. وتنفي سوريا وحزب الله اي علاقة باغتيال الحريري او الاغتيالات التي أعقبته لشخصيات مناهضة لسوريا في لبنان. وكان نصر الله قد وعد بكشف النقاب عن أدلة الاسبوع القادم لتأييد اتهامه لاسرائيل بأنها وراء اغتيال الحريري. وربما تكون الوساطة السعودية السورية قد أرجأت أزمة سياسية في لبنان لكنها ما زالت تلوح في الافق، نظرا لان حكومة الوحدة التي يرأسها الحريري تعتمد على دعم حزب الله. ويخيم نزاع أعمق على وضع حزب الله بوصفه الجماعة الوحيدة التي سمح لها بالاحتفاظ بسلاحها بعد الحرب الاهلية التي استمرت من عام 1975 الى عام 1990 . ويقول حزب الله ان ترسانته ضرورية لتحرير ما تبقى من جيوب من الاراضي التي يطالب بها لبنان وللدفاع عن البلاد الى جانب الجيش في مواجهة اي هجوم اسرائيلي. ويوم الثلاثاء سلط الضوء على خطر أن يكون لبنان نقطة الاشتعال لحرب جديدة بالشرق الاوسط، حين اشتبك الجيش اللبناني مع القوات الاسرائيلية على الحدود في أسوأ أعمال عنف منذ الحرب التي دارت بين اسرائيل وحزب الله عام 2006 . ولم يشترك حزب الله في الاشتباك لكنه هدد بالرد اذا تعرض الجيش اللبناني لاي هجوم اخر. ولم يتضح بعد ما اذا كانت مطالبة السعودية لسوريا بممارسة نفوذها على حزب الله لتخفيف حدة مواقفه ستأتي بثمارها. وقال سالم مدير مركز كارنيجي "السعودية ستحث سوريا على لعب هذا الدور. اذا نجحت بدرجة ما سيقوي هذا العلاقات بين (سوريا والسعودية) لان هذا سيظهر أن السوريين قادرون على تحقيق المطلوب.. لكنهم قد يفشلون تماما".