كنا وما زلنا نتحدث عن روح النكتة عند إخوتنا الأعزاء في مصر، وهذه الروح المرحة التي ترافق المصري تجعله يصبغ الصعوبات المعيشية بألوان السخرية المبدعة، ودائماً ما كنا نقارن هذه الحالة بحالة الجمود في الروح السعودية، ويبدو أن معطيات المعادلة اختلفت بعد اقتحام الأجهزة الذكية لأنامل السعوديين، فروح مرحة ساخرة كسرت أقفال التوابيت الجامدة، والتعليقات غير المتوقعة صارت شيئاً متوقعاً بعد كل حدث سعودي. بدأ هذا الحراك الساخر مع رسائل الجوال النصية التي رافقت أجهزة «النوكيا» طيبة الذكر، فكانت رسائل الأعياد هي الشرارة الأولى لولادة ثقافة «الاستقبال وإعادة الإرسال» للرسائل المحبوكة لغوياً والتي يتم إرسالها لمجموعة محددة من قائمة الهاتف، وبعدها بدأ التفاعل الجماعي لهذه الرسائل خارج الأعياد مع المناسبات المشتركة كزيادة الرواتب ونحوها، وتعززت «روح الدعابة» مع الشهر المجاني الذي قامت به شركة الاتصالات للرسائل النصية والتي تم خلالها تداول ملايين الرسائل في وقت قصير، وبلغت الذروة قمتها مع دخولنا عوالم التواصل الاجتماعي مع برامج تويتر والواتس أب والكيك ونحوها.. مع تتبع هذه المرحلة التفاعلية برز وبشكل لافت عند السعوديين مظهران مهمان: أولهما «التعطش للتواصل» والثاني «التعبير عن الوجود»، وهذا كان انعكاساً لعزلة تواصلية كان يحس بها السعودي قبل هذه الوسائل، واعترافاً ضمنياً بأن وسائل التعبير التقليدية لم تكن تعبر عنه، فأنا موجود كانت هدفاً بذاته بغض النظر عن طبيعة هذا الوجود. لقد كشفت هذه الوسائل الجديدة أن «الحس الكوميدي» لدى السعودي مرتفع جداً، وأجمل حالاته عندما يعبر عن ما يضايقه بقوالب ساخرة، وأن الفشل الكوميدي في الإنتاج الفني لا يعكس الموهبة الفطرية عندنا، وأن أجواءنا الاجتماعية التقليدية لم تكن بيئة صالحة لإظهار هذا الحس الكوميدي. هذه الوسائل التواصلية حولت المجتمع إلى «ماكينة إنتاج» لا تتوقف عن إصدار الكوميديا وتسويقها من كل مكان، واليوم شاهدت محرما بالحج يحتفل بصدارة فريقه المفضل تحت شعار: (متصدر لا تكلمني)، فعشرات الدقائق تغزو هاتفك الذكي يومياً، وفي نهاية اليوم تتجول بين معرفات البسمة وقروبات الواتس لتبحث عن الصور والمقاطع الضاحكة لتعيد إرسال ما يعجبك منها لآخرين حسب ضوابط العلاقة مع المستقبل الجديد. واقعنا الاجتماعي الحقيقي لا يظهرنا بشكل حقيقي، مما جعلنا نتوارى خلف واقعنا الافتراضي الذي كان أقرب إلى حقيقتنا، والجيل الجديد في السعودية مختلف عن الجيل السابق، ووسائل التواصل الاجتماعي جعلت الجيل السابق أيضاً يدخل نطاق التغيير الجديد في مرحلة فرضت الوسائل نفسها على شكل المحتوى.