الفضاء مفتوح.. السماء تلتقط كل ما يلوح في الأفق وتسرّبه إلى منازلنا وغرف نومنا.. وسائل إتصال تتطور بشكل مذهل وبرامج فضائية لا تعد ولا تحصى تملأ الهواء وتنافس المخاوف المتسربة من ثقب الأوزون.. يحاصرنا هذا «البعبع» التكنولوجي، يحاصر ثقافتنا،وعاداتنا،ومفاهيمنا.. يجعل أطفالنا على شفير المتناقضات،والحيرة،والشتات بين ما يرونه على a وأسئلة عديدة لا إجابات لها ومستقبل غامض يسير نحو المجهول. ونحن كما نحن دائما أمة لا تتقن سوى العويل والاحتجاج والاعتراض ونشر الرعب في القلوب والأذهان،والتشنج بحجة الخوف على (خصوصيتنا الثقافية والاجتماعية)! الشيء الوحيد الذي نتقنه هو الردود الانفعالية وشتم كل ما يعكر صفو منام خصوصيتنا الثقافية ويجذب فكر مراهقينا ويفهم طريقة تفكيرهم ويستغلها استغلالاً حسناً،نحن لم نفكر بهذه الفئة مثلاً بشكل جاد ولم نحاول فهم مناخاتهم الفكرية،بل كيف نستطيع ذلك ونحن عاجزون عن «إنتاج» قيم ثقافية معاصرة توائم بين «خصوصيتنا» والعصر بحيث تناسب وتحترم عقول هؤلاء المراهقين؟!وما ينطبق على هؤلاء المراهقين ينطبق على كافة شرائح المجتمع العمرية والنوعية المشكلة أن خصوصيتنا هذه-كما يروق للبعض أن يسميها- تواجه في رأيي خطرين يضيقان الخناق عليها حتى أصبحت تعاني سكرة الموت، الخطر الأول هو أن مثقفينا ومفكرينا وعلماءنا الاجتماعيين لم يستمروا في إثراء هذه الخصوصية وجعلها حية وقابلة للتعايش والاستمرار مع الأجيال المتتابعة، وإذا تجرأ أحدهم وحاول ذلك، تبارت الأقلام وتسابق من أخذوا على عاتقهم حماية المجتمع من المفسدين في محاربته ونعته في أبشع الصفات متهمة اياه بالتجديد والتغريب وتخريب التراث والاستهانة بالتقاليد وأحياناً بالكفر،حتى وإن لم يفعل!! الخطر الثاني هو ما أشرنا إليه في بداية الحديث وهو أن العالم الآن أصبح من الصغر لدرجة أن تأثر الحضارات ببعضها أو صراعها -إن شئت- مع بعضها أصبح واقعاً نعيشه بشكل يومي بفضل التطور المذهل لوسائل الاتصال . وأعتقد أن الخطر الحقيقي على ثقافتنا ليس تطور وسائل الإتصالات وتفاعل الثقافات والحضارات مع بعضها، وإنما الخطر الحقيقي هو التيار المتزمت الذي يحاول جاهدا وبحجج مختلفة أن يغلق النوافذ والأبواب، ويزيد من ارتفاع الأسوار حولنا، هذا التيار الذي يضم اتجاهات مختلفة وربما متناقضة إلا أنها تتفق على هدف واحد، وهو الحجر على أي فكرة تحاول صنع أجنحتها الخاصة،أو تلوين ريشها بألوان تختلف عن «اليونيفورم» الموحد للبقية!! نحن عاجزون عن تفعيل ثقافتنا في حياتنا اليومية، عاجزون عن جعل هذه الثقافة ممارسة بعيداً عن التنظير والمقاعد الدراسية، عاجزون عن القراءة، عن الرسم، عن التفكير، عن الحوار. الشيء الوحيد الذي نتقنه هو الردود الانفعالية وشتم كل ما يعكر صفو منام خصوصيتنا الثقافية ويجذب فكر مراهقينا ويفهم طريقة تفكيرهم ويستغلها استغلالاً حسناً،نحن لم نفكر بهذه الفئة مثلاً بشكل جاد ولم نحاول فهم مناخاتهم الفكرية،بل كيف نستطيع ذلك ونحن عاجزون عن «إنتاج» قيم ثقافية معاصرة توائم بين «خصوصيتنا» والعصر بحيث تناسب وتحترم عقول هؤلاء المراهقين؟!وما ينطبق على هؤلاء المراهقين ينطبق على كافة شرائح المجتمع العمرية والنوعية! إنتاج هذا النوع من الثقافة من شأنه أن يعزز ثقة المجتمع بحضارته،ويقلص احساسنا بالخوف من أي ثقافة أخرى تدخل من فتحات الأقفال، ومن شروخ جدران خصوصيتنا الحصينة. أحلم بأن نتمكن يوماً من إحياء ثقافتنا وعصرنتها لكي نجد فيها ما يغري ويجذب،قبل أن نشتم هذا الفضاء المفتوح رغماً عنا،والذي لم ولن نستطيع إيقاف سيله الجارف.