مجتمعاتنا عليها الاعتراف وبكل مصداقية بحقيقة موقفها من الحضارة الغربية حيث لازال الطريق شائكا يحتمل الكثير من المفاجآت التي قد يكون بعضها غير سار لنا وخصوصا بعد انطلاق مسيرة العولمة والسبب في استعجال التفكير حول الحضارة الغربية هو أننا لازلنا كمجتمعات تستفيد من الحضارة الغربية لم نعمل على توضيح موقفنا الحقيقي. خلال القرن الماضي كانت الحضارة الغربية مجرد نظريات سياسية لذلك كان قبولها أو رفضها يتم وفق معايير سياسية بالدرجة الأولى وغالبا ما يترك للمجتمعات تحديد موقفها من تلك النظريات السياسية لذلك لم يتعد مفهوم مجتمعاتنا اليمين أو اليسار وذلك أمر طبيعي حيث كان ميزان القوى يتأرجح بين الأقوياء فقط. بعد نظرية صدام الحضارات توقفت لدينا قنوات التفكير ولم نعد ندرك حقيقة هذا الصدام وكيفيته التي سوف يحدث بها والسبب في ذلك أن الحضارة الغربية لم تعد نظريات سياسية فقط بل أصبحت نظريات ثقافية واجتماعية واقتصادية. الكثير منا يتوقع أن فكرة صدام الحضارات فكرة خيالية بعيدة الحدوث والبعض الآخر يؤمن بحدوثها ولكل فريق موقفه الراسخ ودلائله الأكيدة. الصدام الحضاري بمفهومه الحالي فكرة جديدة نسبيا فالحضارات تنتهي وتبدأ وتسيطر بأدوات ثقافية ومعايير وقيم خاصة بتلك الحضارة وهي تضعف بشكل تدريجي وتتفكك معاييرها أولا قبل أن تسلم نفسها للنهاية ولا تنتهي بشكل مفاجئ أبدا. في موقفنا من الحضارة الغربية هناك مؤشرات ثقافية حدثت خلال العقود الماضية كان لها الأثر الكبير في بلورة شكل من المواقف السلبية في بعضها وخصوصا عندما نظرنا للحضارة الغربية من خلال منظار التراث فقط وخاصة أن هذا المنظار كان بحاجة إلى اعادة نظر في بعض أجزائه الفرعية لكي نستطيع أن نرى الصورة الحقيقية لهذا التراث. نحن في هذا الزمن نحتاج أن نستحضر شيئا من التاريخ لنتعرف على ذلك المنظار الذي استخدمته الحضارة الغربية عندما استفادت من منتجاتنا الفكرية كما يقول لنا التاريخ. عندما كان لدينا حضارة لم نفكر يوما كيف استفاد الآخر منا دون أن يثير زوبعة من الرفض القاطع والقبول المجزأ لازلنا لم نعرف الكيفية التي تعلم فيها الغرب آنذاك كيف كان يستفيد من مجتمعات تكاد تكون متناقضة معه فكريا وثقافيا. سؤال كبير نسينا أن نتذكره كيف يمكن لنا إعادة المحاولة مع الحضارة الغربية التي تمنحنا هذه الأيام فرصة كبيرة للتعلم منها...؟. مقومات الاستفادة من الآخرين لم تعد كما كانت في الماضي لقد تغيرت الأساليب وأصبح هناك فرصة سانحة لكل مجتمع ولكل ثقافة أن تخطو الخطوات إلى الأمام ولكن كيف يمكن أن تتحقق هذه الخطوة في ظل وجود معايير لم تتغير منذ عشرات السنين بل مئات. الفكرة البسيطة هي مدى إمكانية الاستفادة من قيم الحضارة وليس من منتجاتها فقط ورفع قيم الاستهلاك ولكن ما اقصده هنا بقيم الحضارة تلك المعايير الثقافية والأخلاقية والقانونية والاقتصادية التي صنعت التحول في مجتمعات مماثلة لنا كانت تصنف عالميا مثلنا ولكنها عرفت كيف تستفيد من تلك الفرصة للتحول إلى مجتمعات تستطيع أن تنجح بكل بساطة. سؤالنا الذي يجب أن نطرحه على مجتمعاتنا هل نريد التحول والتغيير أم لا...؟، قضيتنا مع الحضارة الغربية تشكلت لدينا بطريقة خاطئة امتزجت فيها المواقف الاقتصادية والسياسية بطريقة غير دقيقة وهذا هو مفصل القضية في كل نقاش حول الحضارة الغربية. وبدلا من أن يكون دور العلماء والمثقفين هو قيادة المجتمع نحو التحول وإجلاء وتوضيح موقف المجتمعات من الحضارة الغربية أصبح دورهم عائما بين مواقف تراثية تشكلت لدى العامة الذين تشكلت لديهم مواقف رافضة للحضارة دون وعي كامل عن الموقف الحقيقي للتراث بالإضافة إلى دور يحاولون فيه نفي التهمة عن أنفسهم بأنهم دعاة تغريب. في مجتمعاتنا مصادرة غريبة لكل مصطلح غربي هذه المصادرة مبنية على مواقف سياسية وليس مواقف حضارية بينما لدينا قبول غريب للاستهلاك الغربي على جميع المستويات. على المستوى الاقتصادي تعتبر مجتمعاتنا من أكثر مجتمعات العالم استهلاكا للمنتج الغربي وعلى المستوى الثقافي تعتبر مجتمعاتنا اكبر المستهلكين للثقافة الغربية عن طريق الإعلام المرئي أو المسموع أو عن طريق شبكات الانترنت، كما أننا نستهلك وعن طريق السياحة والذهاب إلى تلك المجتمعات الكثير من الثقافة والسلوك الاجتماعي. مع كل هذا الاستهلاك المتعدد إلا أن مواقفنا الاجتماعية تتناقض كثيرا مع معدلات استهلاكنا الحقيقية للثقافة الغربية، هذه المواقف مثيرة للحضارة الغربية أيضا فهم أيضا يتساءلون حول تلك المواقف المتعاكسة ولا يفهمون القضايا بنفس الطريقة التي نحن نفهمها بها ولذلك لن يحدث فهم مشترك ما لم نتعرف على الطرق التي يفكر بها الآخر حولنا. هناك مجتمعات فعلية تجاوزت معادلة المواجهة مع الحضارة ومصادرها لتصل إلى حلول منطقية غير خاضعة لمواقف مهتزة عن الآخر والحضارة، هذه المجتمعات تجاوزت الكثير من المعايير الخاطئة حول فكرة التغيير والتحول وصناعة المجتمعات المتحضرة. قد يستغرب البعض تكرار الحديث مرات ومرات حول هذه القضايا الخاصة بالغرب والحضارة ولكن الواقع يعكس لنا أن البداية هي استثمار الفرص الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وتوجيهها في مسار يصنع المجتمعات ويغير من فكرها بطريقة ايجابية. نحن نناقش وبشكل يومي تقريبا فكرة التطور والتغير الجميع يبحث عن الأفضل والأفضل موجود في ثقافة نستطيع وبقليل من التفكير الاستفادة منها. فكرة التطور والإجابة على التساؤلات المتكررة: ماذا ينقصنا لنتغير مادمنا نملك مقومات التغير الايجابي، البشرية، والمادية...؟ كل صباح ومع كل قضية نحن نطرح هذا السؤال. الحضارة الغربية أصبحت تذوب مكوناتها الثقافية في مجتمعات العالم بطريقة سريعة، ولكنها متفاوتة بين المجتمعات فبعضها يمتلك القدرة على ما يمكن تسميته (فوترة) تلك الحضارة بشكل ايجابي حيث يبدأ بالاعتراف بأهمية التحول والتغيير ويعترف بأهمية الاستفادة من الآخر. مجتمعات أخرى ليس لديها القدرة على الاعتراف بأهمية الحضارة على المستوى الفكري والثقافي ولكنها تستهلك من تلك الحضارة بشراهة عالية وهي لا تعلم متى سيأتي اليوم الذي تجد نفسها في موقع لا تستطيع ان تعرف من هي ولا إلى أي ثقافة تنتمي. نحن أمام تيارات ليس لها حلول سوى أن نعرف كيف نستقبلها بطرق ماهرة وبكثير من الايجابيات وقليل من السلبيات. السؤال المهم كيف يمكن للمجتمع أن يتفهم قضية الحضارة الغربية والاستفادة منها بدلا من استهلاكها فقط،. بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وبعد أحداث العراق وبعد ظهور إيران على الساحة السياسية كدولة تحاول امتلاك السلاح النووي وما يحدث في باكستان الجار القريب لأفغانستان كل هذه الأحداث ليست سوى مقدمات كبيرة لتحولات في المنطقة لها اثر كبير على البناء الثقافي والفكري وما يهمنا من تلك التحولات السياسية والثقافية التي سوف تصحب هذه الأحداث وما سوف ينتج عنها لذلك علينا التفكير بطرق ايجابية لحماية مجتمعاتنا بطريقة ماهرة.