كذبة إبريل مزحة سنوية، وأسلوب من أساليب الفكاهة والسخرية، فالكل يتساءل عن كذبة هذه السنة، والكل يسخر من تصريحات جادة أو أخبار مفاجئة، ليصفها بأنها كذبة إبريل. الكاذب ليس بحاجة إلى شهر ليكذب فيه، ففي الكذب نوع من الجبن وعدم القدرة على مواجهة الواقع، الكاذب يكذب لأنه لا يريد أن يظهر كما هو على حقيقته، فهو يخفي شيئا ما لا يريد إظهاره للناس، من يخطئ يجد كذبة تبرر خطأه. إنه لا يريد أن يقال عنه : إنه مستهتر مثلا، أو عديم المسؤولية، وكذلك الابن حين يكذب على والده والتلميذ على أستاذه، والموظف على رئيسه، والزوج على زوجه، والحاكم على مجتمعه، والحاشية على رئيسها، نحن نكذب لأجل أن نبدو أجمل مما نحن عليه في الحقيقة، لأننا لا نملك الشجاعة أن نقول: إننا هكذا، هذه هي طبيعتنا وهذه هي أوصافنا، على الناس أن تقبلنا كما نحن، على من يريد صداقتنا أو الارتباط بنا أن يعرف ابتداء ما عيوبنا ؟ وما أخطاؤنا ؟ إننا لا نريد ذلك. كذبة إبريل، شهرا نسميه صدق مارس مثلا أو نوفمبر، في هذا الشهر نظ.هر كما نحن ونتحدث بقناعاتنا بشرط ألا يمسنا سوء وألا يتعرض لنا أحد، شهر لا يكون للكلمة فيه أية تبعة، شهر نعترف فيه بكل الخدع والأوهام، وبكل ما أكرهنا على قبوله وقوله، نزيل فيه كل مساحيق التجميل الرخيصة التي نستخدمها، ونرفع الأقنعة حين يطالب الأب ابنه بالاعتراف بخطأ ما، فقد يصدق الابن وقد يكذب، لكن حين يعرف الابن أن الصدق سيؤدي إلى ضربه ضربا مبرحا يفوق حجم خطئه، وأن الكذب سينجيه، فإن الأب حينها سيكون شريكا في ترسيخ سلوك الكذب عند ابنه. حين يهددنا المجتمع - إن نحن أظهرنا ما في نفوسنا وجهرنا بقناعاتنا الشخصية بأننا سنعاقب، وننبذ ونوصف بأشد الأوصاف - حينها لن نغير قناعاتنا لكننا سنضطر إلى كتمانها، أو ربما حتى إلى تزويرها، حتى ننجو من العقاب. ليس سرا ولا غريبا أن المجتمع لا يؤمن برأي واحد، وأنه ليس له التصورات نفسها، وليس غريبا أن تظهر أفكار عند أجيال جديدة من الشباب لم يكن يؤمن بها آباؤهم، وليس سرا أننا في السعودية فرق ومذاهب، وأن هناك إسلاميين وليبراليين بأطياف شتى، وليس سرا أن هناك إخوانا مسلمين وسلفيين، وليس سرا أن هناك حنابلة وشافعية ومالكية وأحنافا وظاهرية واثنا عشرية، وليس سرا أن هناك من يرى بمرجعية المؤسسة الدينية وهناك من لا يرى بمرجعيتها، وأن هناك من يقبل نموذج المرأة كما تطرحه المؤسسة الدينية، وهناك من يرى نموذجا آخر، وأن هناك من له آراؤه المستقبلية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية المخالفة للسائد، وسواء تحقق الجهر بها أم لم يتحقق، فإن القناعات والاعتقادات لا يمحوها السكوت، بل بالعكس قد يجعلها السكوت أكثر تطرفا، أما النور فهو يهذبها، ويجعلها أكثر اعتدالا. المجتمعات والدول التي تلوح بسيف التكفير والتخوين، التي تذكر دائما في المجالس ولو على سبيل الفكاهة (بما وراء الشمس)، التي تجعل المقصلة حاضرة في ذهن الناس ولو مجازا، هي في الواقع تنشئ مجتمعا يتقن لبس الأقنعة، يتقنها إلى حد تصبح فيه سليقة وعادة، بل يصبح لبس الأقنعة جزءا من تربيتنا أبناءنا، فعليهم أن يفهموا منذ الصغر أنه ليس كل ما يعتقده المرء يجهر به، هذا إذا أراد أن يعيش سليما صحيحا، وأن يقبله الناس، وأن يحقق طموحه. الكذب من علامات المنافق، لأن المنافق لا يجرؤ على إظهار قناعاته، وهناك مجتمعات ودول تساهم في صناعة المجتمعات المنافقة، حين يكون على الجميع أن يكونوا على اعتقاد واحد، ورؤية واحدة، فإنهم حتما لن يكونوا كذلك، لكنهم سيبدون وكأنهم كذلك، وجيلا بعد جيل، سيتقن المجتمع لبس الأقنعة، وستكون المحصلة مجتمعا غارقا في النفاق الاجتماعي والديني والسياسي، سيكون مشوها ومتناقضا، يعيش حيوات كثيرة ومتنوعة، فسلوكه خارج وطنه مثلا يختلف عن سلوكه في الداخل، والأدهى أن قناعاته نحو الخارج ستكون أيضا متناقضة مع قناعاته نحو الداخل. ماذا لو جعلنا شهرا في السنة على غرار كذبة إبريل، شهرا نسميه صدق مارس مثلا أو نوفمبر، في هذا الشهر نظهر كما نحن ونتحدث بقناعاتنا بشرط ألا يمسنا سوء وألا يتعرض لنا أحد، شهر لا يكون للكلمة فيه أية تبعة، شهر نعترف فيه بكل الخدع والأوهام، وبكل ما أكرهنا على قبوله وقوله، نزيل فيه كل مساحيق التجميل الرخيصة التي نستخدمها، ونرفع الأقنعة، ونقول: هذا نحن وهذه قناعاتنا، وهذا ما نؤمن به، والكلمة لا تؤذي.. فقط نتكلم.. نقول ما نؤمن به وما لا نؤمن به، المدهش في الموضوع أن اقتراحي هذا قد يكون في دائرة الممنوع، فضلا عن التفكير في إمكانية تطبيقه، وحتى ذلك الحين فالحديث عن كذبات إبريل يبدو أكثر لذة وأقل سخرية. تويتر: @alhasanmm