لعله من المهم جداً التأمل في حلقات التصعيد الأخيرة وأسلوبها في بغداد وبيروت من قبل الفصائل التابعة لإيران صناعةً ايديولوجية أو صناعةً سياسية تثبت الأيام باطراد أن الثانية نتيجة حتمية للأولى , فسُعار حكومة المالكي تفجّر إثر اختراق الربيع العراقي حاجز الحصار السياسي وإسقاطه حملة التلفيق بالطائفية بعد أن حسم الحراك الشبابي هويته وبرعاية مباشرة وقوية من الشيخ السعدي لتعميق القلب والقالب الوطني للانتفاضة, وهو ما أشعر التحالف الطائفي الحاكم أن تعبئته الطائفية لن تقدر على الصمود أمام الخطاب الوطني رغم كل التعدي والقمع التاريخي الذي صُب على سنة العراق وشيعته المستقلين عن دوائر التحالف , لكن الرمزية العميقة كانت في حملة القمع الجنوني التي يُمارسها المالكي وحلفاؤه ضد جامع الإمام الأعظم في بغداد كرمز وحدوي وتاريخي ومقاوم معاً للاحتلال ولفرسنة العراق , ومنع فئام من أهالي حي الأعظمية للصلاة فيه وعزل الجامع ومحيطه وعزل الأعظمية عن بغداد ونشر فرق تفتيش تعزل الشعب بالهوية وتحمل بعضهم للمعتقلات ودوريات مشتركة بين الميلشيات وقوات بغداد الطائفية والجيش تجوب بغداد لاعتقال المتوجهين للصلاة أو التضامن او المشاركة في الصلاة الموحدة بين السنة والشيعة في الأعظمية . هنا سيبرز لك إطار واضح المعالم استقدمه المالكي وطبقه على بغداد وهي ذات السياسة التي تنفذها الحركة الصهيونية في القدس وعلى المسجد الأقصى وأهالي البلدة القديمة وعلى القادمين من الضفة للصلاة في الأقصى , وهنا التماثل ليس محصوراً في وسائط التنفيذ وعدوانية المنهج على المصلين ووحشية التعاطي مع المدنيين , بل إنه يتجاوز ليستدعي بموضوعية تماثل الأيديولوجيتين الطائفية الصفوية والحركة الصهيونية , هذا التماثل يبرز في روح العداء للأرض والديمغرافيا العربية وروح العداء لضرب رموز الأرض الإسلامية وعدوانية التصنيف لدى الصهيونية الصفوية والصهيونية اليهودية , وأنت الآن تتعامل مع نماذج أمامك تُمارس على الأرض وعلى المسالمين المصلين وعلى مواضع العبادة للمسلمين , كل ذلك مع حركة تحريض وتكفير مدني شامل وديني ونقصد بالمدني أن الفلسطينيين والعراقيين العرب يكثف الهجوم عليهم كشعوب خارج إطار الإنسانية من الإعلام الصهيوني والصفوي في تماثل وتطابق , وبالتالي فإن القتل في هذين الشعبين وممارسة الإرهاب عليهم يُشرّع مدنياً , هذا ما يُصرح به ناطقو تل ابيب وناطقو المالكي وإن لحنوا به القول . أمّا التكفير الديني فهو كما يُمارس من الأحزاب اليهودية الدينية وتصريح حاخاماتها, فهو يُستدعي ويفجر يومياً أمام الخطاب الوحدوي للحراك العراقي ليُلاقى بتحريض طائفي وتكفير وتهديد , ومع عودة ضربات القاعدة الإجرامية في المدنيين وهو ما يبعث على ارتياح حكام بغداد لتبرير جرائمهم الطائفية وسعارهم التحريضي إلاّ أنّ هذا الخطاب عجز عن جر الحراك الى حديقته الطائفية القذرة , ولكنّهُ يّصر على اغراق العراق به خشية من آثار الخطاب الوحدوي وتعزز حركة الاستقلال الشيعية عن الطائفية الصفوية وهي الايدلوجية التي تحكم وتهيمن على قرار التحالف في بغداد كما حكمت الصهيونية اليهودية في انشاء دولة اسرائيل واغتصاب تاريخ وهوية فلسطين. وفي بيروت لم تكن عملية استهداف العلماء السُنة بميليشيا تخضع لمناطق أمل وحزب ايران خارج سياق هذا التحريض الطائفي , خاصة بعد انكشاف حقائق ما يُسمى بالواجب القتالي – أي عمليات الحزب في سوريا لمواجهة الثوار – وخاصة في القصير وبعد استعداء المجتمع الشيعي اللبناني بدورة جديدة تجاه سُنة لبنان وتمرير قرار التصويت التقسيمي في البرلمان , والتطور الخطير محاصرة جامع بلال والشيخ أحمد الاسير بالتنسيق مع ضباط في الجيش اللبناني , لتحقيق ضربة استباقية لأي قدرة لحماية السُنة أو بالأحرى حماية وحدة لبنان وأرضه وبقاء رابطته العربية , فهذه الرسائل التحريضية ليست عشوائية , لكنها تُنصّب لإعدادات كبرى لمرحلة محددة وهي سقوط الأسد , كانت إيران ولا تزال تدفع دون الوصول اليها , لكن المشهد السوري وتقدّم الثورة ونجاح الائتلاف الوطني في الاختراق السياسي للجمود والحصار الغربي في تشكيل حكومة تباشر على أرض الشام , كل ذلك يجعل أقدام طهران تضطرب في العراق وفي لبنان معاً , وبالتالي فإنّ هذه السياقات تُعطينا مسارا واضحا لمشروع إيراني لتفجير المنطقة بعد سقوط الأسد وانتصار الثورة , وبعد هذا التفجير تعود إيران لأروقة التفاوض الدولي بعد أن اعتبرت هي بذاتها مرحلة الأسد جزءا من سياسة انتهت وألقت بها الى مزبلة التاريخ , ولا يعني طهران على الإطلاق كم سيُشكل هذا التفجير من قتل أو توريط للسنة والشيعة معا , بل وتورط احزابها حينما تجعل خطتها الاستراتيجية حرق هذه الأوراق وصناعة بديل مستقبلي ما دامت القضية الامن القومي لإيران . ولذلك فإن الأطراف العربية الوطنية وخاصة في التيارات السُنية عليها أن تضبط تحركها وتُدرك أنّ المستقبل ليس في صالح ايران وأن مرحلة سقوط النظام مع عزل وتحييد خطة طهران للتفجير الشامل للمنطقة يعني معالم انتصار عربية تدفع الخسائر الى حديقة ايران وتل ابيب معاً بدل أن تُحرق الأرض العربية ..إنه فقه الأزمة وسر ضبط التحرك , الذي قد يضغط عليك ويؤذيك اليوم لكن عاقبته ستراها غداً في حين نجاح الآخرين في استدراجك سيُساعدهم على تحويل نصر سوريا الى هزيمة تحرق أرضك .. فتأمل جيداً ايها العربي هذه ليست رسالتي بل ايضاً رسالتك .