الزوجة تتسوق في المول الضخم وسط العاصمة والأب ينتظر مع ابنه الصغير في السيارة ، وفي محاولة لقتل ملل الانتظار يلتفت الأب إلى ابنه ويسأله سؤالاً غريباً ! : (يا بنيّ .. كيف أربيكم)؟.. وعلى وقع السؤال المفاجئ يفتح الولد قريحة همومه قائلاً : البيت يا والدي ليس ثكنة عسكرية يسكنها جنودٌ ينصاعون لسلسلة من الأوامر والنواهي ، فبيتنا الصغير يزدان بالعفوية وينير بالبساطة ، فنحن بحاجة لهامش كبير من الحركة واللعب في مملكتنا الصغيرة ، فالوصول إلى الرشد في هذه السن ليس من الرشد . لا تتصنع المثالية يا والدي أمامنا ، فنحن أذكياء ويمكننا اكتشاف ذلك بسهولة ، وكثير من الأمور التي تخفيها عنا الآن سندركها لاحقاً ، فلا بأس أن تعترف بأخطائك وتعتذر منها أمامنا . اطلع يا والدي على كتب التربية وجديد ما كتب في ذلك ، فالطرق التي تعامل جدي بها معك لا تجدي الآن ، ولا تنس أنك دائماً ما تنتقد جدي عليها رغم أنك تكرر أساليبه كثيراً . اسمح لي يا والدي بشخصية مستقلة اختار فيها لعبتي بنفسي ، وأتدرب على تقرير مصيري فالتربية الجيدة أن تدربني على حسن اختيار القرار بدلاً من ان تأخذه عني بالنيابة ، وأعطني الثقة فخوفك المبالغ عليّ يجعلني أخاف على مستقبلي ، فلماذا لا تجرب أن تجعلني أنزل للبقالة بمفردي وأتحمل عواقب إخفاقي . فكر بمشاعري يا والدي ولا تتجاهلها ، فأحياناً أعبر بعدوانية لأنك تجاهلت مشاعري ، وتذكر أن أسلوبك مع أخي قد لا يجدي معي فالأطفال يختلفون عن بعضهم . لا تتضايق من أسئلتي السخيفة التي أوجهها لك يا والدي ، فنقاشك معي يطور طريقة تفكيري ونظري للعالم الكبير من حولي ، فأنا أحتاج إلى تشجيعي على التفكير أكثر من المعلومات التي تحاول حشوها في رأسي ، ورغم فضولي الكبير إلا أنني لا أحب الاطلاع على خلافك الشديد مع أمي لأنه يؤثر (فيني) كثيراً . يا والدي أنت تربينا من أجل أن تتباهى بنا أمام الآخرين ، ونحن نحتاج تربيتك لنتفوق على ذواتنا عندما نكبر . نحتاج يا والدي للمال الذي تنفقه علينا بسخاء ، ولكننا نشكو من وقتك الذي لا تنفقه علينا بسخاء ، وحتى الرحلة الماضية كنت معنا كتأدية واجب حتى لا يؤنبك ضميرك ! ، يا والدي نحن نريد متعتك العالية معنا لا قيمة التذاكر الغالية . افرح بقدومي عندما أقدم من المدرسة ولا تبادرني بنصائح اللباس والطعام والأحذية ، فقبلتك وحضنك لي سيجعلني أبحث عما تريد ، وأنا أحتاج يا والدي لمدحك عندما أحاول بجدية ، فالمربي يشجع على المحاولة قبل النظر للنتائج . يا والدي أنت تعاتب كثيراً ، فتساوى عندي الخطأ الصغير مع الكبير ، وأنا أحتاج مساعدتك في تجاوز الخطأ أكثر من تعنيفي عليه ، لأني إذا تعودت على التعنيف فلن أتحمس كثيراً لتعديل أخطائي . وعندما تركب أمي للسيارة أخبرها أننا نحب الملابس الجميلة في البيت ومللنا من لبسها من أجل الناس فقط .