انطلقت أمس المشاورات الرسمية الأولى من نوعها بين الديوان الملكي الأردني والكتل النيابية في البرلمان السابع عشر ، حول اختيار رئيس وزراء وحكومة برلمانية للمرة الأولى منذ عقود ، مع استبعاد مراقبين أن تفضي المشاورات إلى توافق بين الكتل بالأغلبية. وتأتي المشاورات وسط حالة إرباك نيابي وتشكيك قوى المعارضة السياسية التقليدية، ومنها جماعة الإخوان المسلمين، بحقيقة تشكيل حكومة برلمانية بالمعنى الحقيقي، فيما تحفظت الكتل الرئيسية في البرلمان عن توجهها لتسمية رئيس جديد. ارباك سياسي ويعزو المراقبون حالة الإرباك إلى حداثة التجربة التي تبناها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، إذ تعهد بأن تكون الحكومة المقبلة برلمانية، ما اعتبره المراقبون عرفا دستوريا جديدا وتنازلا معنويا من الملك عن صلاحيات تكليف رئيس الحكومة المنصوص عليها في الدستور. فايز الطراونة، رئيس الوزراء الأسبق والسياسي المحافظ رئيس الديوان الملكي الاردني ، بدأ مشاوراته مع الكتل النيابية، حول شخصية رئيس الوزراء المقبل، دون إعلان مسبق عن خيار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وهو أسلوب جديد في اختيار رؤساء الحكومات. وتركز مشاورات الطراونة، وفق مقربين منه، على «مواصفات محددة لشخصية الرئيس المقبل، بدلا من البحث في الأسماء». ويرى الطراونة أن «رئيس الوزراء الأردني المقبل يجب أن يكون بخبرات اقتصادية، تمكنه من اتخاذ سلسلة قرارات استكمالا لتلك التي اتخذتها حكومة النسور المستقيلة». غير أن مراقبين يرون أن «المرحلة تستدعي اختيار رئيس للوزراء بخلفية سياسية، لإعادة تنظيم العلاقات بين النظام والقوى الأردنية، التي عانت طويلا من الفتور، ونالت من بعضها القطيعة بعد الانتخابات النيابية المثيرة للجدل». ويضيف هؤلاء، في تصريحات ل «اليوم»، أن «العاهل الأردني وضع على سلم أولويات مجلس النواب الجديد تشريع قانون انتخاب يحظى بتوافقات وطنية، ما يتطلب تولية رئاسة الحكومة لشخصية سياسية بامتياز». ورغم عدم تحمس العديد من الكتل البرلمانية لتجديد ولاية رئيس الوزراء المستقيل عبد الله النسور الذي كرر الإعلان عن نيته تخفيض الدعم الحكومي عن مزيد من السلع والخدمات الأساسية، إلا أن كفته الارجح حتى الآن. وسعى الطراونة، في وقت سابق على بدء المشاورات رسميا، لترويج النسور كخيار «موضوعي» لرئاسة الحكومة المقبلة خلال لقاءات عقدها مع رؤساء وزارات ووزراء سابقين، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بان «النسور خيار القصر». ولا يخفي نواب اتصالات تلقوها من «جهات عليا» في الدولة الأردنية، سعت إلى ترويج النسور كمرشح مفضل للعاهل الأردني، خاصة بعد تسريبات من الديوان الملكي أفادت بأن الرئيس المقبل عليه أن يكمل خطة الانقاذ الاقتصادية التي بدأتها الحكومة المستقيلة. الصلاحيات للملك من جهته, قال وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء، نوفان العجارمة: لا تزال للملك صلاحيات منفردة لتكليف رئيس للحكومة بموجب الدستور الأردني، وما يجري هو «رغبة ملكية باستشارة» مجلس النواب.» وقال العجارمة لموقع CNN بالعربية «إن تلك الرغبة ليست عبثية، بل استطلاع لرأي المجلس النيابي في الحكومة ورئيسها، لافتا إلى أن الأصل أن يلتقط مجلس النواب الرسالة ويتجنب تسمية رئيس محدد.» ومن جهتها، أعلنت كتلة وطن عن شروطها بأن لا ينتمي رئيس الحكومة المقبلة إلى نادي رؤساء الوزراء السابقين، وأن يتبنى تعديل قانون الانتخاب، وأن يكون ذا توجه إصلاحي. وقال رئيس كتلة وطن، عاطف الطراونة لموقع CNN بالعربية «إنها التجربة الأولى ولا يمكن الحكم عليها مسبقا،» مشددا على أن الكتلة متمسكة بمواصفات إصلاحية لرئيس الحكومة المقبل، سواء كان من مجلس النواب أو من خارجه. علامة استفهام وبدوره استبعد وزير التنمية السياسية الأسبق، موسى المعايطة الذي تراجع عن الترشح في الانتخابات الأخيرة، تشكيل حكومة برلمانية بالمعنى «السياسي،» قائلا إن «علامة استفهام ستبقى معها.» وأشار المعايطة إلى أن «بعض الكتل تطالب بحكومة وفاق وطني، لذلك عليهم أن يحددوا مواقفهم السياسية ومطالبهم خاصة فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات المطلوبة كقانون الانتخاب، فإذا كانت هناك أغلبية نيابية سيتحول الباقي إلى معارضة، وعلينا أن نضمن ما لا يقل عن النصف زائد واحد من عدد النواب.» أما على صعيد حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لإخوان المسلمين بالأردن، فاعتبر أن المشاورات «لا تمنح الصفة البرلمانية للحكومة.» وقال لبيب قمحاوي، عضو الجبهة الوطنية للإصلاح التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق أحمد عبيدات، إن المشاورات التي تجري «لا أساس دستوري لها وهي مجرد تضليل للرأي العام.» اربعة سيناريوهات ويتداول النواب أربعة سيناريوهات حول آلية المشاورات,تتلخص في حكومة برلمانية كاملة بما فيها رئيس الحكومة يتم إختياره من النواب، أما السيناريو الثاني توزير عدد من النواب في حكومة يكون رئيسها من خارج المجلس، والسيناريو الثالث يترك الأمر لجلالة الملك لاختيار رئيس الوزراء دون تزكية أسماء معينة، أما الخيار الأخير ترشيح أسماء معينة لجلالة الملك لتولي رئاسة الحكومة المقبلة. ويتوزع مجلس النواب 8 كتل: «وطن» وتضم 27 نائبا، «التجمع الديمقراطي» 24 نائبا، «المستقبل» 18 نائبا، «الوعد الحر» 17 نائبا، «الوفاق» 15 نائبا، «الوسط الإسلامي» 15 نائبا، «الاتحاد الوطني» 10 نواب، «النهج الجديد» 8 نواب، إضافة الى 15 نائبا مستقلا.