رغم مشاغله، وتعدد مسئولياته فقد أبى الدكتور حسن الشافعي، رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، وكبير مستشاري شيخ الأزهر، وممثل الأزهر باللجنة التأسيسية التى قامت بصياغة الدستور المصرى الجديد، ورئيس الجامعة الاسلامية العالمية السابق في باكستان، إلا أن يمنحنا بعض الوقت لنطرح عليه بعض التساؤلات فهو قامة أدبية وعلمية ودينية كبيرة، وعالم أزهرى جليل ومفكر من طراز فريد، يحمل على عاتقه هموم وقضايا لغتنا الجميلة التى تواجه الكثير من التحديات، وفى الحوار التالى نتعرف على المزيد من آرائه: نهضة تنموية بداية كيف ترى العلاقات التى تربط بين المملكة العربية السعودية ومصر، خاصة العلاقات الثقافية باعتبار أن مجمع اللغة العربية أحد المنابر التى تخدم المجال الثقافي في العالم العربي؟ - العلاقات التى تربط بين المملكة العربية السعودية وشقيقتها مصر، هي علاقات قوية ومتينة، فى كل المجالات سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم ثقافية، والمملكة دولة قائدة ورائدة فى العالم العربى والإسلامى، أقامت نهضة تنموية وعلمية وثقافية عظيمة، ولها دورها الرائد فى خدمة الإسلام والمسلمين، وأما بخصوص علاقتنا فى المجتمع بالمملكة فهى علاقة وثيقة وقوية، ويكفى أنه يوجد بين أعضاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة، علماء وأساتذة أجلاء أعضاء فى المجمع. هيئة مستقلة حدثنا عن دور مجمع اللغة العربية إزاء ما يتم على اللغة العربية من هجوم، يتمثل فى تغليب اللغة العامية، واستخدام المصطلحات الأجنبية فى الحياة العامة؟ - اللغة في أي حضارة مقوم اساسي من مقومات النهضة فما لم اتذوق انا وأنت الحياة بذوق عربي وأعبر عنها بلغة عربية سليمة، وأفكر علميا بطريقة عربية فلن يكون هناك ابداع، وقد مضى قرن كامل في ظل الليبرالية والأخذ عن الغرب ولم يظهر لدينا مبدعون علميون والسبب هو القراءة باللغة الأجنبية ثم يترجم في رأسه ويترجم لتلاميذه وتضيع المواهب العقلية في هذه المرحلة، ولو فكرت بلغتك كما يقول كل الخبراء في العالم فهنا يمكنك الابداع، ونحن نعمل الآن على ان تحتل العربية مكانها ومكانتها في بلادها وألا تُهان في عقر دارها وقد نجحنا في ان تكون توصيات المجمع ملزمة لمؤسسات الدولة والمجتمع فى مصر، وأن يكون المجمع هيئة مستقلة أي لا يخضع الى وزارة التعليم العالي ولا أي وزارة، وإنما يكون تابعا للبرلمان أو للرئاسة ولكنه جزء من الدولة لان اللغة كما اتفقنا مقوّم اساسي من مقومات النهضة، فهذا هو دور المجمع، وهو يعي دوره وسيقوم به ان شاء الله. الهوية الثقافية معروف أن اللغة أحد مكونات الهوية الثقافية، فهل التعليم باللغات الأجنبية يمثل خطرا على هويتنا؟ - للأسف الشديد مرضنا الأساسى أننا لا نحترم اللغة العربية وبعض المثقفين يتعلل بعدم تعلمه قواعد النحو وهذا خطأ، ونحن نقول بوجوب تعلم اللغة الأجنبية لكن بعد أن يتمكن الطفل والنشء من لغته الأصلية القومية وهى اللغة العربية، أما أن يهمل تعليم العربية فى المدارس والجامعات ولا يعرف الشاب من لغته وتراثه شيئا فهذا خطر كبير جدا، وهذا انقطاع عن العربية وعن مصر وعن لغتنا الأصلية. تعريب العلوم هذا يقودنا إلى سؤال مهم حول معرفة الدور الذى يقوم به مجمع اللغة العربية فى تعريب العلوم؟ - التعريب أمر مهم وكما قلت إن اللغة هى جزء من المكون الثقافى والهوية لأمتنا، وما لم يتمكن الطفل العربى منذ الصغر أن يتمثل الحياة ويتذوقها بذوق العربية ويفكر فيها ويعبر عنها بالعربية فلن نصل لحد الابداع فى العلم، وللاسف هناك طائفة من الاساتذة والمثقفين يتوهمون ان تعريب العلوم يؤدى لانقطاع العلماء العرب عن حركة العلم العالمى، وأقول لهم نحن العرب الذين ابدع اجدادنا علوما أقام الغرب عليها حضارته، وكان هذا باللغة العربية، وأن أهل الغرب استمروا ستة قرون يتعلمون العربية، بل أن فرنسيس بيكون الذى يعتبر مفجرا لنهضة أوروبا وكذلك باباوات كانوا يوقعون خطاباتهم باللغة العربية، نحن فى مجمع اللغة العربية نتبنى ونؤيد بشدة الدعوة لتعريب العلوم ونعمل فى نفس الاتجاه. استقلال الازهر تحدث البعض عن استقلال الازهر فى الدستور الجديد، ماذا يعنى هذا المفهوم؟ - هذا يعنى استقلال الأزهر عن السلطة التنفيذية وليس عن الدولة.. بالنسبة لشيخ الأزهر، أن يكون الأزهر ككل تابعا للدولة سواء للرئاسة أو لمجلس الشعب، ولكن ليس للسلطة التنفيذية حتى لا تتحكم فيه، فالاستقلال يكون للأزهر في مجموعه ثم استقلال شيخ الأزهر حتى لا يتدخل أحد معه في ممارساته لاختصاصاته. ملامح المستقبل كيف ترى ملامح المستقبل في مصر فى ظل ما نشهده من خلافات سياسية بين القوى المختلفة؟ - الحقيقة أننى من المتفائلين وأنا على أمل عظيم بأن مصر سوف تجتاز هذه الفترة المسماة بالانتقالية وسوف تخرج من عنق الزجاجة الذي يمتلئ بالمشاكل، وأعتقد أن المشاكل التي نعيشها في المرحلة التي نمر بها شيء طبيعي جداً، لأن الثورات في كل حياة الشعوب تتبعها مشاكل، فمن يراجع تاريخ الثورة الفرنسية، يجد أنها ظلت عقدين من الزمان تتطوح يميناً وشمالاً وتأكل أبناءها وتريق من الدماء ما أراقت، وكذلك في الثورة الروسية حدث ما حدث، فهذه الثورة السلمية كانت الخسائر فيها نسبياً محدودة، وإن بقيت عزيزة علينا، والمشاكل فيها أيضاً أقل مما واجهته الشعوب الأخرى.