يصنع الله الجمال في البشر، فيعمل البني آدم جاهدا على تشويهه، يبذل البشر جهدا حثيثا على انتزاع سنابل الجمال التي غرسها الله فيهم، واستبدالها بشوك البشاعة، خلق الله البني آدم في أحسن تقويم، وأكرمه ووضعه في أعلى منزلة في الكائنات ،إلا ان هناك منهم من يصرّ على الانحدار لمنزلة أدنى! نولد أبرياء، يملؤنا الطهر، وتملؤنا أنفاس الله المقدسة،، وتمر بنا السنون، وفي لحظة ما نقف أمام مرايا أرواحنا ويذهلنا قدر العمل الجبار الذي قمنا به لنصبح بهذا السوء !! مقارنة باللحظة التي أتينا فيها إلى الدنيا، ما الذي يفعله الإنسان ليتمكن من افساد عمل الله، وتشويه تحفته الفنيّة،ونقع أجمل قصائده في الماء الآسن؟! كيف نتحول من أطفال نُدعى «أحباب الله» ،إلى شياطين ومردة؟! قوانين عدوانية..ومشحونة بالتحفّز ضد الآخر،لا تُنبت السلام الداخلي ولا الصلح مع الذات..اتخذها البعض دستورا مقدسا لحياته حتى أتى ذلك الدستور على كل بادرة جمال في حياته،وخنق كل بشائر صبح في وجدانه، وأكل كالجراد كل أخضر في روحه،وجفف كل مزنة في سماء فكره، فأصبح فاقدا لإنسانيته وآدميته. يأخذنا قطار العمر خلال رحلته إلى دروب موحشة، وأنفاق مظلمة أحيانا، ويمر بنا في أحيان أخرى بمدن موبوءة،يسري التلوث بأوردتها،وقد يعبر بنا حقولا لا تبدع سوى في إنتاج الشوك، والمحبط أن البعض خلال هذه الرحلة لا ينتهي من تلك الدروب الموحشة إلا وقد سرق كثيرا من وحشتها وخبأه في أعماقه ، ولا يعبر الأنفاق المظلمة إلا وقد أخذ الكثير من ظلمتها في قلبه، ولا يخرج من مدن التلوث إلا بعد أن يضمن أنه قد أخذ نصيبه الوافر من تلوثها، ولا يقطع حقول الشوك إلا وقد تعلم جيدا كيف يصبح شوكة!! قطار العمر هذا لا تقتصر رحلته على كل ما هو بشع وسيئ ،فهو يمر أيضا بمدن الصبح، ويقطع جنائن المسرات، ويصاحب في بعض المسافات الطيور المهاجرة التي تصادَف أنها تسلك ذات المسار، ويتوقف في محطات شيدتها أسراب القطا، وأغاني الصغار، إلا أن ذلك البعض لا يترك في ذاكرة قلبه شيئا من كل هذا، ولا يبقي من فيض جماله غيضا، ولا يستوطن في مناديله بعض من رائحة ذلك البهاء، يمر بكل ذلك خفيفا حفيفاً،عجلا ،وكأنما يخشى التأثر به، هذا البعض يصفي ذاته من كل جميل حتى لا يبقى له أثر فيه، يحرص على ألاّ يبقى من جمال الله في نفسه شيئا، يتطّهر من كل بياضٍ يعلق برداء قلبه أولا بأول، يحاصر كل قطرة جمال تنوي الظهور في ذاته،كمن يحاصر خلية سرطانية خشية تمددها وانتشارها، هؤلاء لهم تركيبة نفسية معقدة،ومحصنة بالتعاويذ السوداء وأبيات الشعر المنتقاة بذهنية شريرة،والأمثال التي تحضّ على ألا تأمَن أحدا ولا حتى نفسك،على غرار: «إن لم تكن ذئبا»و «سوء الظن من حسن الفطن» أو «احذر صديقك» أو « من لا يظلم الناس يُظلم»....إلخ!!! قوانين عدوانية..ومشحونة بالتحفّز ضد الآخر،لا تُنبت السلام الداخلي ولا الصلح مع الذات..اتخذها البعض دستورا مقدسا لحياته حتى أتى ذلك الدستور على كل بادرة جمال في حياته،وخنق كل بشائر صبح في وجدانه، وأكل كالجراد كل أخضر في روحه،وجفف كل مزنة في سماء فكره، فأصبح فاقدا لإنسانيته وآدميته. كيف تجرأنا على مخالفة ما أرادنا الله عليه؟! كيف تبجحنا هانئين بعصيان رغبته؟! كيف أصبح بعضنا على ما هو عليه من سوء؟! مؤكد أن الحياة ليست واحة نقيّة نأمن شرها،ولكنها أيضا ليست غابة وحشية لنستذأب فيها، الأكثر يقينا من هذا وذاك،أن الله نفخ فينا من جماله الإلهي العظيم،لنكون أكثر قدرة على التماهي مع جمال الحياة، فلا تفسدوا عمل الله!