حكمة الله في خلقه، دورة الحياة، اكتمال مسوغات ديمومة الحياة على وجه الأرض منذ بدء الخليقة، فهناك من الحشرات ما هو ضار للإنسان ونافع في نفس الوقت، فهو إما أن يكون طعاماً لأنواع من الطيور وإما أن يكون آكلاً لأنواع من الفطريات والحشرات الأكثر خطراً على الإنسان والبيئة من نقل للأمراض والأوبئة وغيرها، وهناك أيضاً أنواع من النباتات التي لا تصلح طعاماً لبني البشر فهي للحيوانات والدواب، وتلك الحيوانات تمثل قيمة غذائية عالية بلحومها وجلودها وفرائها، والذي لا غنى للإنسان عنها، ومن خلال دورة الحياة لابد من الأخذ بأسباب التوازن البيئي بين كل المخلوقات وقياس مدى الفائدة والضرر، وتغليب الأكثر فائدة دون الإخلال بمعادلة التوازن البيئي والإمعان في مكافحة نوع من الحشرات دون الالتفات لما يتركه استخدام أنواع كثيرة عالية السمية ندفنها في التربة والتي لايمكن الخلاص منها لآلاف السنين القادمة، والتي تتسلل إلى النباتات التي نأكلها وتأكلها الدواب التي نأكل لحومها، وحتى إلى جيوب ومجمعات المياه الجوفية في باطن الأرض والتي نستخدمها للشرب، ناهيك عن وصول تلك المواد السامة من كيماويات مواد المكافحة إلى البيئة البحرية في معظم دول منطقة الخليج العربي عندها تحدث الطامة الكبرى في القضاء على الثروة البحرية من أسماك و شعب مرجانية وغيره وتلويث وتسميم تلك البيئة بموجوداتها لتصل في المحصلة إلى الإنسان، فمن أين لنا بمهلكات مقومات وجودنا؟؟؟؟. وبعد ومنذ أكثر من عقد من الزمن تناقلت وسائل الإعلام في دول المنطقة والمنطقة العربية قيام العديد من المنظمات الوطنية والجهات الحكومية بالاستنفار وتجييش الإمكانيات وفرق العمل في التصدي لمكافحة أسراب الجراد التي بدأت في مهاجمة بعض بلدان المنطقة "حسب ما صرحت به وسائل الإعلام في تلك البلدان" وهنا كانت الطامة الكبرى!! فماذا لو قمنا بحساب العملية من ناحية الربح والخسارة؟؟؟ أولاً لقد كانت تلك الأسراب والتي أعلن عنها لاتتعدى العشرات أو حتى المئات على أبعد تقدير،،،، فما هو ياترى الضرر الذي ستحدثه مجاميع الجراد والتي اعتبرت ساحقة ماحقة؟؟ ولو قمنا بدراسة سلوك الجراد وطبيعة الأراضي التي تتعرض لقدوم الجراد لوجدنا أنه يشكل مصنعاً لأفضل أنواع السماد للأرض بعد التهامه هشيم النباتات وبعض أوراق النباتات الخضراء ليفرغ في الأرض في نفس اللحظة مخلفاته العضوية ذات القيمة العالية كسماد عضوي يبعث في النباتات المحيطة الحياة الأكثر اخضراراً، ويشكل في ذات الوقت قيمة غذائية عالية لمعظم الطيور البرية كالحجل والحبارى وأنواع كثيرة من الطيور، فما الذي سيحل بتلك الطيور عندما نقوم برشها بالمواد الكيماوية "المبيدات" والتي ستكون بنسب عالية، عندها ودون أدنى شك نقوم بالقضاء المبرم على أي من الطيور أو الحيوانات البرية التي ستلتهم الجراد المقتول بالمبيدات الحشرية، وما الذي سيحل أيضاً بالحيوانات الأخرى أو الطيور كالصقور عندما تلتهم الطيور الميتة اثر التهامها تلك الطيور التي ستلقى حتفها أيضاً ؟؟؟ وستكتمل دورة القتل والقضاء على الحياة الفطرية في صحرائنا وأراضينا. وفي هذا الصدد والكم الهائل من الحسرة والخوف على الحياة الفطرية في بيئتنا توجهت "الرياض" إلى الخبير البيئي الإماراتي "محمد عبدالله الظريف" ووضعنا تلك الهواجس أمامه، فكان مسكوناً بهذا الهم ويشاركنا إلى حد بعيد في تلك المخاوف فقال: عند وصول أول طلائع أسراب الجراد إلى صحراء الإمارات ،كانت في مجموعات بين خمسة عشر إلى عشرين جرادة لكل سرب "دون مبالغة"، كما صرح بذلك أحد المشرفين على حملة إبادة الجراد، في حين كان أبناء الإمارات يستبشرون خيرا برؤية ضيف طال انتظاره، لو رأيت الفرحة على وجوه الناس وخاصة الأطفال الذين ولد بعضهم وكبر ولم يشاهد جرادة بعينيه. تناقل الناس خبر وصول طلائع الجراد ابتهاجا وفرحة، لم تكتمل، ما أن بلغ الخبر إلى بعض الجهات التي لا تعرف إلا المبيدات، وليتهم تمعنوا قليلا في معنى كلمة مبيدات (تبيد الأخضر واليابس)، حتى انطلقوا ترافقهم الكاميرات في حملة إبادة شاملة، ولكنها هذه المرة ليست للجراد فحسب بل لكل الحياة الفطرية، نعم أقولها وأعي ما أقول، الحياة الفطرية التي توليها حكومة الإمارات كما حكومات منطقتنا الكثير من الاهتمام والرعاية والاعتزاز بتلك البيئة. وأضاف "الظريف": لو يعلم دعاة المبيدات الحشرية أضرارها الفعلية لتوقفوا عما يقترفونه من جريمة في حق البيئة والحياة الفطرية، يمنعهم من رشها على مجموعات صغيرة من الجراد التي لا تشكل خطرا على مزارعنا، ولا على مراعينا، حيث لا توجد لدينا تلك المساحات الشاسعة من المراعي والمسطحات الخضراء في الأصل، وليس لدينا من حقول القمح والذرة الواسعة، فكل ما لدينا أشجار نخيل وسمسيبلوس يعني (رودس) لا يؤثر فيها الجراد أما الخضار ففي بيوت زراعية محمية لايقربها الجراد. أما فمكافحة الجراد فواجبة كما ورد في الأثر عندما تأتي على الأراضي تغطي الشمس في رابعة النهار،عندها بلا شك تحول الأرض إلى جرداء يابسة، وبفضل الله سبحانه وتعالى لم يحصل ذلك في منطقتنا، ماذا تفعل بضع عشرات من الجراد في أرض خالية إلا من "ثمامة" يابسة أو هشيم نبات ميت أو رمثة (مديوسة) بعجلات سيارات مرتادي البر. واشار الخبير البيئي "محمد عبدالله الظريف" مما تقدم نقول إن الجراد الذي زارنا خلال الفترة القليلة الماضية في الإمارات ما هو إلا علامة ومؤشر بيئي صحي يدل على نقاوة صحرائنا التي لم تعهد رش المبيدات في حياتها، ولا ينبغي أن يتصدى لها بهذه الطريقة الآثمة، حيث إن الظروف المناخية في مناطقنا الصحراوية لاتشكل بيئة مساعدة على تكاثر الجراد بطريقة تهدد سلامة مزروعاتنا، ولا على البلدان المجاورة لنا، وهو من جانب آخر له ميزات كثيرة، كونه الغذاء المفضل للحياة الفطرية جميعها، من حيوانات وقوارض وطيور برية وبحرية ونحن نشاركهم كذلك فيما أحل الله أكله ولو ميّتا. والفائدة الثانية أن الجراد يأكل يبّاس الشجر والنباتات ويحيله إلى سماد عضوي مباشرة بحيث يكون ما يتلفه من أوراق الشجر سماداً يلقيه تحت ساقها ولا يبعثره في الأرض العراء صنع (حكيم خبير ). وتساءل "الظريف" مهموماً:ماذا تفعل المبيدات الحشرية في البيئة الفطرية ؟ أن كان لم يعد خافيا أضرار المبيدات الكيماوية على البيئة، وهي تبقى إلى قيام الساعة تنتقل بين الخلائق بطرق شتى عن طريق الهواء الذي نتنفسه، والماء الذي نشربه، والمنتجات الزراعية التي نأكلها، وأكثر من ذلك. ما يهمنا الآن والذي ينبغي أن نعلمه هو أن رش المبيدات الحشرية على الجراد في المناطق الصحراوية الخالية، يعتبر إبادة شاملة للحياة الفطرية، فالطيور البرية دون استثناء وعلى رأسها الصقور والحباري والكراوين والحجل والعصافير، وكل مادب على الأرض من حيوانات بريّة وقوارض ثدييه وزواحف، وحتى الطيور المائية مثل النوارس وطيور أخرى كثيرة نعرفها بأسمائها المحليّة، كل هذه المخلوقات يعتبر الجراد طعامها المفضل وتنتقل إليها السموم ومنها تصل إلى البشر، وكما قال تعالى: (ظَهَرَ الءفَسَادُ فِي الءبَرِّ وَالءبَحءرِ بِمَا كَسَبَتء أَيءدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعءضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمء يَرءجِعُونَ) صدق الله العظيم. وأضاف أنه إلى وقت قريب كان الجهات البلدية ترش مبيد (DDT) على الجراد والحشرات وتوزعه لنقوم برشه في زوايا البيوت ضد حشرة (السماسيم) ،نوع من النمل الأسود قرصه شديد ويسبب تحسساً حاداً عند بعض الناس، ومنذ فترة ليست بالبعيدة اختفى من الأسواق تماماً، فعلمنا من السلطات نفسها أنه ضار بالصحة ويسبب أمراضاً خطيرة ... لكن بعد ماذا ؟ بعد خراب مالطا يا حسرة ..! . واستشهد خلال حديثه من واقع أحد رحلات الصيد البريّة التي قام بها وبالتحديد في (وادي عامور) في شمال شرق السودان، حيث كانت المنطقة قد تعرضت لموجة من الجراد وسارعت الدولة آنذاك برشها بالمبيدات بمساعدة منظمات دولية في تلك الصحراء الخالية من الزراعة وجميع أسباب الحياة وأكد أنه رأى بأم عينه في "وادي عامور" أعداد هائلة من أشلاء الحبارى الميتة، من نوع (الحبارى النوبية) المهدد بالانقراض . في الوقت الذي كانت أسراب الطيور والجوارح تتعقب الجراد لتلتهم منه حاجاتها دون أن تدري ما الذي سيحل بها بعد تلك الوليمة المغمسة بالسم القاتل. واستطرد حديثه قائلاً متسائلاً؟؟ إذا كان المعيار في قراراتنا مبني على قانون المصالح مقابل المفاسد، ولا توجد مفسدة في وجود بعض الجراد يطير ويتنقل آمناً في بلادنا ويؤكد لنا ما ندعيه أن بيئتنا ولله الحمد لا تزال نقية ونظيفة، كون الجراد أول جهاز استشعار سوف يخبرنا في حال انتشار أبخرة أو غازات سامة إما بفعل البراكين أو الزلازل أو تسرب كيماويات من مصانع وغيره، لنؤكد السؤال؟؟ هل يجهل القائمون على البيئة أضرار السموم الحشرية على بيئتنا النقيّة؟ وأيهما أشد ضررا على حياة الإنسان أن يتناول كيلوجرام (1000جرام) جراد أو واحد (1) جرام مبيد حشري؟. بالتأكيد لابد من القول: الجراد يمر مرّ الكرام والسموم تبقى على الدوام؟!. وتبقى مسألة ينبغي التوقف عندها طويلا، إن الله سبحانه لما خلق المخلوقات وأراد للأرض أن تعمر وأراد للحياة أن تستمر، كان من تلك المخلوقات الجراد، هكذا قضت مشيئة الله أن تستمر الحياة بوجود الجراد، ولا يزعم زاعم بأن الجراد خلق عبثا، بل إنني أجزم أن للجراد دوراً في إعمار الأرض والمحافظة على بيئتها وتخليص النباتات البيئية من أمراض تصيبها مثل المن وبعض أنواع من الفطريات وكما نعلم أن الجراد جند من جنود الرحمن، يرسله إلى أرض فتعود أكثر نباتاً واخضراراً، ويقال لها عندها الأرض المجرودة (التي أصابها الجراد ) يحوّل بقايا النباتات والأوراق إلى سماد عضوي، فإذا أصابه المطر أعشبت و ازدادت اخضراراً. ويرسله إلى أقوام عقاباً وعذاباً لهم كما فعل بفرعون وقومه . وهو بذلك كالمطر يصيب أرضاً مدهرة مضى دهر عليها يابسة فينبت بها الزرع والزيتون، ويرسله إلى آخرين فيهلكهم. وعرض علينا ومن خلال "الرياض" استعداده لشراء كل جرادة وإن كانت "ميتة" ( دون مبيد حشري طبعاً) مقابل درهم إماراتي لكل واحدة، أما الجرادة الحية فأكد استعداده وحاجته لها ليضعها في مزرعته الخاصة ليقينه بمدى فائدتها لمزروعاته، حيث أشار إلى أن أحد كبار رجال الأعمال في الإمارات يمتلك مزرعة تربية الجراد حيث يقوم وبطرق آلية حديثة بتعليبه وتوظيبه وتصديره إلى أوروبا وأمريكا لتبلغ قيمة الواحدة من حشرة الجراد ما قيمته (3، 5دولارات أمريكية) لقيمتها الغذائية العالية؟؟. ومن جانب آخر فإن الإسلام كنظام اقتصادي شامل يحمل مفاهيم اقتصادية عالمية كفيلة بحل أكبر المشاكل العالمية ومشكلة الجراد التي فهمها الغرب على أنها باب من أبواب الرزق لشركات المبيدات الحشرية، وهي بمنظور الإسلام باب من أبواب الدواء والغذاء والصحة لمن تعامل معها بمنطق علمي إسلامي مبني على فهم حكمة الله في خلق الأشياء . وهذا الفارق في الفهم هو الفارق الأهم بين منظور الإسلام الرحيم بالبيئة والناس والحشرات (لأن الجراد عبادته في أن يكون ذلولاً للإنسان لا أن يكون نقمة على الفقراء والبسطاء) وبين منظور من يفلسفون الأشياء تحت منظومة ربحية رأسمالية تقوم على جثث الناس والبيئة. إذاً الجراد نعمة وليس نقمة!! حيث ورد في حديث عن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام "أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال". للعلم فإن الجراد يعتبر أكلة مفضلة عند كثير من الشعوب في آسيا وبعض الدول العربية، فحشرة الجراد غنية بالبروتين الذي يمثل 62% ودهون 17% وعناصر غير عضوية تمثل الباقي مثل : المغنسيوم، الكالسيوم، والبوتاسيوم، المنجنيز، الصوديوم، الحديد، الفوسفور، وغيرها. واختتم "الظريف" حديثه المسكون بالألم بأن الأمر موضوع بين أيدي ولاة الأمر رحمة بالإنسان والطير والحيوان والحياة الفطرية ... هل من مجيب؟؟؟