بدأ سريان الهدنة وتوقف العدوان الإسرائيلي مؤقتا. وماذا بعد؟ إسرائيل تمارس هواية متبجحة، هي أنها ترى أن كل اتفاق هو ملك لها، وهي التي تقرره وتوجهه، وهو سليم وجيد ما دام يخدم مصالحها العدوانية. ولا تعدم كل الوسائل للقفز فوق الاتفاقيات والمعاهدات ودعوات السلام إذا ما فقدت شهية السلام أو تلبستها شهوة ارتكاب الجرائم. يجب ألا يحتفل سعاة السلام بموافقة إسرائيل على الهدنة، لأن، تاريخ إسرائيل علمنا، ان موافقاتها مرحلية ومزاجية وانتقائية، وهي التي التفت على كل اتفاقيات السلام مع مصر ومع الفلسطينيين ومع الأردن، وترتكب حماقات تنتهك هذه الاتفاقيات، ثم تبرع في اختلاق الحجج والأعذار والتذرعات. وفي النهاية تستخدم الذراع الأمريكية للتغطية على جرائمها وانتهاكاتها وأخطائها. على الرغم من أن رئيس حكومة التطرف في إسرائيل بنيامين نتنياهو قد أصيب بخيبة أمل، ووجد في عدوانه الأخير، رداً عربياً ودولياً يختلف عما كان يتوقعه، ففضل المهادنة وإيقاف العدوان بأسلوب ما وعلى نحو انسحابي، فإن إسرائيل سوف تعود، مرة أخرى، لممارسة هواية صب الحمم على غزة أو على رام الله أو على أي مكان من فلسطين ولبنان وغيرهما، إذا لم تجبر الدول الكبرى التي تزعم تشجيعها للسلام، إسرائيل على إبرام اتفاقيات سلام حازمة وعادلة وحقيقية وواضحة ترعاها الدول الكبرى لمنع اسرائيل من ارتكاب حماقات جديدة تنشر الفوضى في المنطقة، وتضر بالجميع بما فيهم الإسرائيليون أنفسهم. كما يجب أن تمنع إسرائيل من تحويل الحروب وقتل الأبرياء وتدمير المدن إلى لعب انتخابية، أو إلى هواية موسمية مفضلة كلما عنّ لها ذلك. ولا بد من إجبار إسرائيل على السلام، لأن سبعة قرون من الدلال الغربي لإسرائيل لم تجعلها تجنح إلى السلام ولم تروض وحشيتها ولم تحولها إلى كائن أليف، بقدر ما زادتها غطرسة وصلافة ووحشية وعدوانية تنطبع في سلوكياتها وذهنيتها الجمعية. وإذا كانت الدول التي تدعي حرصها على مبادئ السلام وحماية الإنسانية والمعذبين وصيانة الحقوق الإنسانية، صادقة ومخلصة لشعاراتها فعليها أن تمنع إسرائيل من ارتكاب كل ما ينتهك هذه المبادئ والشعارات. وإذا كانت هذه الدول مخلصة للإسرائيليين وتتعهد، بمناسبة وبلا مناسبة، بضمان حمايتهم وأمنهم، فعليها أن تمنع إسرائيل من نفسها، لأن مشاغباتها وغطرستها وعدوانيتها هي خطر عليها أيضاً، مثلما هي خطر على سلام المنطقة واستقرارها. أما إذا استمرت الدول الكبرى تدلل إسرائيل وتحمي مشاغباتها وتثني على سلوكياتها العدوانية، فيبدو انه لا يوجد أمل في استقرار المنطقة ولن يتحقق أمن حقيقي لإسرائيل.