لا نعلم متى تتخلى الأممالمتحدة والدول الكبرى عن تدليل إسرائيل؟ واعتبارها، دائماً، فوق القوانين الدولية. ولا يمكن وصف تقرير الأممالمتحدة حول التصرّف الإسرائيلي الأهوج إزاء أسطول الحرية، وبطش القوات الإسرائيلية بمدنيين يحملون خبزاً وماء لأطفال محاصرين في غزة، إلا أنه تقرير سقيم ويمثل استخفافاً مروّعاً، بالضمير الإنساني، لأن العالم كله كان شاهداً على فتك الجنود الإسرائيليين بالمدنيين في أسطول الحرية، ومقتل ناشطين برصاص الجيش الإسرائيلي، وأن الجنود الإسرائيليين قد خاضوا معركة غير متكافئة مع مدنيين عزل. وليست أنقرة وحدها تستحق أن تغضب، وإنما يحق لكل الشعوب الحرة في العالم، ولكل ضمير أن يغضب من هذه السقطة الأممية المتوقعة والمألوفة. وعلى الرغم من مضي نحو سنة ونصف السنة تقريباً على العدوان الإسرائيلي على السفينة التركية مرمرة وقتل القوات الإسرائيلية تسعة أتراك، لم تشعر إسرائيل بأن عليها واجب الاعتذار عن هذه الجريمة التي وقعت تحت الشمس وتابعها مئات الملايين في العالم. ربما لأن تل أبيب كانت تنتظر الأممالمتحدة ومقرّريها أن يكيّفوا الوقائع ويجتهدوا في البحث عن مخارج لمدللة الأممالمتحدة. وذلك ما حدث بالضبط، فقد اعتبر التقرير الدولي أن المذبحة الشنيعة التي تعرّض لها المدنيون على متن مرمرة، برصاص الجيش الإسرائيلي الغاشم، ليست إلا «مبالغة» إسرائيلية في الرد على عدوان. ثم إن التقرير الدولي أعطى المبرر والمشروعية لحصار الأطفال والنساء في غزة وتجويعهم، وربما شنّ حرب عليهم إذا ما أرادت إسرائيل. وباختصار فإن التقرير وضع غزة وسكانها وأطفالها ونساءها تحت رحمة العدوانية الإسرائيلية، ونتنياهو هو الذي يقرّر مصير سكان غزة، ويمكنه أن يمنحهم الحياة أو يمنعها عنهم. ويبدو أن الأممالمتحدة تحتاج إلى «ربيع أممي» مثل الربيع العربي الذي غيّر المسلمات القائمة إلى ما قبل سبعة أشهر، إذ محاباة إسرائيل ومهادنتها وتدليلها تمثل، لعشرات السنين، تقليداً أممياً مقيتاً أعطى لإسرائيل سيادة على شعوب الأرض، وسكان الدنيا، وجعلها تستخف كثيراً بالقرارات الدولية والضمير العالمي، وتشن حروباً في كل اتجاه وتقتل بمناسبة ودون مناسبة ولا أحد يسألها، لأن الأممالمتحدة، بضغط من الدول الكبرى، تتكفل بمهمة حماية إسرائيل وتبرير جرائمها وأفعالها وتشرع لعدوانيتها المتواصلة المستمرة.