يحكى أن رجلا ضاق ذرعا من أهل قريته فقرر أن يهاجر إلى قرية أخرى بحثا عن بيئة مغايرة تماما لبيئته وأكثر إيجابية، فيها أناس طيبون - حسب رؤيته - وعندما هم بالدخول إلى القرية الجديدة التي سيجد فيها مبتغاه وجد رجلا عجوزا أضنته السنون جالسا عند مدخل القرية، فاتجه إليه ووجه إليه السؤال الآتي: كيف سأجد أهل هذه القرية يا سيدي؟ فأجابه الرجل العجوز بعد نظرة تأمل قصيرة وزفرة من الأعماق، قائلا: أنت. كيف وجدت أهل قريتك؟ فأجاب الرجل المهاجر بدون تردد: كلهم سلبيون، كذابون، عصبيون وكلهم غشاشون، إنهم استفزازيون إنهم بخلاء لا يكرمون الضيف ولا يعينون المحتاج، وراح يسرد كل الصفات السلبية ويلصقها بأهل قريته وبعد أن انتهى من ثورته، أجابه الرجل العجوز وبدون تردد قائلا: ستجد أهل هذه القرية الجديدة كذلك. التعميم الذي وقع فيه صاحبنا هو ما يقع فيه كثير من الناس وهم بذلك يحرمون أنفسهم (وربما من حولهم) من الكثير من نعم ومباهج الحياة، وهو انعكاس سلبي (أي التعميم) لتفكير وتوجه ونظرة سلبية لدى الفرد أصلا. يؤكد علماء النفس أن الناس عادة يميلون إلى رؤية ما يريدون رؤيته، وإننا في إداركنا للأشخاص والأحداث والأشياء، لدينا ميل طبيعي لاستبعاد أشياء معينة لا تتفق مع وجهة نظرنا ولا تنسجم معها، وهذا ما حدث لصاحبنا الذي انصب اهتمامه وتركيزه على السلبيات وإغفال الإيجابيات. إنها دعوة إلى أولئك المتشائمين الذين تعمى أعينهم عن رؤية الإيجابيات والأشياء الجميلة في الوطن والمجتمع والأهل والأصدقاء والعمل وفي الطريق، وكم من جمال ومتعة وبراءة في عيون الأطفال من بريق، إنهم يفضلون بطريقة لا شعورية التركيز على السلبيات والأخطاء. في العمل مثلا كثير منا يقع في هذا الفخ وهو التركيز على سلبيات العمل والرئيس والزملاء وتضخيمها، والتغني بها في كل شاردة وواردة وفي المقابل تعمى أعينهم عن الكثير من إيجابيات العمل والعاملين فيه. -.إنهم يفضلون بطريقة شعورية أو لاشعورية التركيز على السلبيات والأخطاء. إنهم بذلك يلعبون دور الذبابة التي لا تقع في الغالب إلا على القاذورات، وكان الأجدر بهم أن يلعبوا دور النحلة التي لا تقع إلا على الورود والزهور ليجدوا اختلافا جوهريا كبيرا. وشتان بين الذبابة والنحلة في العطاء والمكانة. الأمور السيئة والأفراد السيئون كانوا موجودين منذ الأزل ومازالوا وسيظلون، لكن البشرية لم تقف في نموها وازدهارها على أصحاب النظرة السوداء والمتشائمين، بل لعب المتفائلون دورا إيجابيا في نظرتهم إلى كل من حولهم، فكان منطلقهم: كن جميلا تَرَ الوجود جميلا، فحققوا ما وصلت إليه البشرية من تقدم وازدهار في كل المجالات والأصعدة.