سأل مسافر ما شيخا عجوزا ماكثا على قارعة الطريق وفي بداية الوصول إلى مدينة عزم إليها الرحيل قائلا : ما بال أهل المدينة وكيف هو حالهم وما هي صفاتهم ؟ فأجابه العجوز في استغراب وما بال أهل المدينة التي جئت منها وكيف هو حالهم وما هي صفاتهم؟ فأجابه المسافر : هم أناس بشعين احترفوا فن النصب والكذب ولا يعرفون للصدق راية ولا للحق غاية فتركتهم قادما باحثا عن الأمان والسعادة ؛ فنظر إليه العجوز وقال : ستجدهم على نفس ما تركت فيه أهل مدينتك ؛ فألتفت إليه المسافر وقال : أظنك تكذب أيها العجوز ! فلماذا أترك داري إلى دار بها أسوأ مما تركت ! ؛ فرد عليه وقد اعتلت وجهه بسمة ساخرة قائلا : سأسير معك لأريك ما أنت قادم ٌ لأجله. وفي طريقهم للمدينة مر بهم شاب وسيم عازم ٌ على الرحيل فاستوقفه العجوز وسأله : ما بال أهل المدينة التي تركتها ؟ فقال الشاب : هم أناس طيبون مخلصون ورائعون شعرت معهم بالسعادة وأشعر بالآسى لرحيلي عنهم اليوم. فنظر إليه المسافر وقال : لماذا ترحل أيها شاب وقد ملكت حب الآخرين : فأجابه تعلمت أن أبحث عن الخير في كل مكان وأن أصنع السعادة من حيث لا توجد وأنا على ثقة بأنني سأجد في المدينةالجديدة أناسا مثل الذين تركتهم هنا بل وأفضل منهم أيضا. فابتسم العجوز وقال : ستجدهم على نفس ما تركت فيه أهل مدينتك. وفي أول بوابة للمدينة التقى المسافر والعجوز بمجموعة من الصبيان يلعبون ويتسابقون وفيهم صبي ضعيف يجلس بعيدا , فسأله العجوز : ما بالك أيها الصبي ؟ لم لا تلعب مع رفقائك من الصبيان , فرد قائلا : لا اعرف منهم أحدا وقد جئت قبل عام إلى هذه المدينة لكنني لم أخالط أهلها وذلك لأن أبي يقول لي دائما أن كل من حولي هم أناس لا يستحقون الثقة. وصمت قليلا ثم سأل العجوز قائلا : هل تعتقد أن أهل هذه المدينة كما قال أبي ؟ فرد العجوز قائلا : ستجدهم على نفس ما ترك فيه أبيك أهل مدينته. وعندما وصل المسافر للمدينة ساعده العجوز في العثور على منزل صغير يمكث فيه ريثما يرتب أموره ويقرر ما سيفعله لاحقا ؛ وعندما استأذن العجوز المسافر للخروج حتى يتسنى له الحصول على قسطٍ من الراحة بعد عناء السفر قال له : من بعد أذنك أيها الشيخ الجليل لدي سؤال ٌ أخير... ما سر عبارتك الشهيرة التي ترددها ( ستجدهم على نفس ما تركت فيه أهل مدينتك ) ؟ فأجابه العجوز : هل معك عدسة مكبرة ؟ فقال المسافر نعم ؟ فقال العجوز : أرأيت إن كانت هذه العدسة تحمل من الشوائب ما تحمل فكيف سترى منها ؟ فرد المسافر : لن أتمكن من الرؤية وإن رأيت سأرى الأشياء بشيء من التعتيم والتشويه. فتبسم العجوز وقال : عيناك عدستك تعكس لك الأشياء والأشخاص كما تعتقد , فإن عملت على أن تنظف تلك العدسة وتتخلص من شوائبها فسترى رؤية جلية بدون تشويش , أما إن تركتها على ما هي عليه فلن تتغير رؤيتك وإن غيرت المكان أو الزمان. كانت تلك قصة صغيرة تظهر لنا أن متاعبنا وهمومنا وعلاقاتنا مع الآخرين هي منظور شخصي قبل أي شيء , فإن كان منظورنا معتماً متشائماً فسوف يعكس التشاؤم والسوداوية على كامل حياتنا وانفعالاتنا وسلوكياتنا , إما إن كان منظورنا وردياً باسماً فسوف يعكس لنا الصفاء والنقاء حتى في تقبل الأمور السلبية في هذه الحياة. هذا لا يعني أن كل من حولنا نقي وخال من الشوائب ولكن إيماننا بضرورة نقاء أنفسنا سيساعدنا على فهم الكثير من الأمور ووضعها في مواضعها دون تضخيم أو تصغير , فالإنسان عدسة نفسه وهو الأجدر بالحرص والعمل على خلوها من كل ما يشيبها أو يعكرها.