ينصرف اهتمام أكثر المعلمين إلى تلقين طلابهم المعارف التي سيختبرونهم فيها، لكن دور التعليم لا ينحصر في توفير المنصة للنجاح التحصيلي فحسب، بل يهدف إلى اكتساب القيم التي تعتبر من أبرز عوامل ضبط السلوك وتوجيه الأنشطة نحو الأهداف التربوية لإتمام عملية بناء شخصية الناشئ. إن مظاهر الاضطراب في المجتمعات المعاصرة يمكن أن يرد في التحليل النهائي إلى غياب الالتزام بنظام متسق للقيم، التي تدفع الأفراد إلى القيام بأنماط راشدة من السلوك. وتتطلع المدرسة الحديثة إلى بناء شخصية المتعلم من جميع جوانبها، فهي تعلمه التفكير لتحدث تغييرا مرغوبا فيه -في سلوكه وفي طرائق تفكيره- ولا يمكن أن يكون هذا التغيير متوازنا ومتكاملا دون أن يكون مرتكزا على قيم خيرة ينطلق منها. ونصت الوثيقة الرسمية في النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية على أن: «غاية التعليم فهم الإسلام فهما صحيحا متكاملا، وغرس العقيدة الإسلامية ونشرها، وتزويد الطالب بالقيم والتعاليم الإسلامية وبالمثل العليا، وإكسابه المعارف والمهارات المختلفة، وتنمية الاتجاهات السلوكية البناءة، وتطوير المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وتهيئة الفرد ليكون عضوا نافعا في بناء مجتمعه» (ص10). وتبدو صعوبة التعليم القائم على القيم أنه ليس مجرد نصائح تقدم من الكبار للصغار، فهي تتطلب أن يكون المعلم برهانا عمليا على القيم، التي يدعو إليها من خلال تبني وتمثل القيم التي يحاول تعليمها، ويتلقى أطفالنا أول دروس القيم في حياتهم من خلال التقليد والمحاكاة. ولكي يتم تعليم القيم نحتاج إلى مهمتين: الأولى: تهيئة المتعلمين لمواقف تعليمية قيمية مخططة. الثاني: استخدام خطاب تربوي محفز للقيم. والموقف القيمي موقف تعليمي هادف، يتم تخطيطه بعناية، بحيث تبرز في مكوناته أنماط للسلوك، تختلف في دوافعها، وفى أحداثها، وفى عواقبها، تستدعى اتخاذ قرارات يحكمها نظام القيم. أما الخطاب القيمي، فهو الخطاب الذى يتم فيه تحليل المواقف والحالات والبحث عن معاني الأحداث والأقوال، ومعرفة آثارها على الفرد، والمجتمع، من خلال إدارة الحوار، ومعاونة المتعلمين على الربط بين الاختيارات التي يقوم بها الأفراد، والقيم التي تكمن وراء هذه الاختيارات، والنتائج التي تترتب على كل اختيار. ومن المؤتمرات العلمية التي تبحث في هذا المجال، مؤتمر (البرامج التعليمية المستندة على القيم ودورها في بناء الشخصية) في الفترة من (18-20 فبراير 2019م) بجامعة كيرالا بجنوب الهند. وأوضح أمين عام المؤتمر أن التعليم القائم على القيم هو قضية الساعة، وهو إطار تدريسي يتمُ فيه تعليم القِيم تفصيلا داخل الصفوف، وضمنيا عبر المثال العملي. وتدور المحاور الرئيسة للمؤتمر حول تأثير الدراسات الإسلامية في المجتمع، وأفضل الممارسات لنقل القِيم عبر العالم. ويقدم الإسلام في كتابه العزيز وعبر الأمثلة العملية في سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنموذجا هاديا في تعليم وتعلم القيم. فالقرآن الكريم يؤكد موضوعية القيم في حياة الناس حين يقول: «قُل لا يستوِي الخبِيثُ والطيِبُ ولو أعجبك كثرةُ الخبِيثِ فاتقُوا الله يا أُولِي الألبابِ لعلكُم تُفلِحُون» سورة المائدة (100). والرسول -صلى الله عليه وسلم- يرشدنا إلى التميز بين البر والإثم من خلال الحس الذاتي والمجتمعي من خلال إجابته على سؤال النواس بن سمعان عن البر والإثم بقوله: «البرُ حُسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرِهت أن يطلع عليه الناس» رواه مسلم. والحديث عن تعليم القيم ذو شجون ولا يفوتني أن أنوه إلى أن مسؤولية تعليم القيم مهمة يجب أن تعنى بها كل المؤسسات التربوية في المجتمع: الأسرة، المسجد، المدرسة، وغيرها من مؤسسات المجتمع المختلفة. (وللحديث بقية).