تعد القيم من أبرز الموضوعات أهمية في محتوى التربية، وشأنها وأهميتها في حياة الأفراد والمجتمعات يعد إحدى ركائز العملية التربوية، وتعلمها من أهم غايات التربية ووظائفها. ومجموعة القيم في أي مجتمعٍ من أساسات العمل التربوي الهادف، ولذلك فإن النظام التربوي لأي مجتمع يؤسس في متعلميه بناء القيم الإيجابية، ما أدى بالتربية والتعليم ومؤسساتها المختلفة إلى أن تتحمل المسؤولية في غرس القيم لدى أفراد المجتمع. إن من أهم أهداف العملية التعليمية أن تتخذ مجموعة من القيم تسعى إلى تحقيقها، وما لم يحقق التعليم هذا الهدف، فإن فائدة المعارف والمهارات المكتسبة تقل، فالمتعلم الذي لا توجهه معارفه وقدراته نحو أهداف قيميه يتخذها لنفسه يصبح خطراً على نفسه وعلى المجتمع على حد سواء. لقد عانت المجتمعات في الوقت الحاضر من أزمات متعددة كان من أكثرها أزمة بناء وغرس القيم، ومع العولمة والانفتاح للعالم الخارجي تنامى قلق التربويين والمسؤولين وأصحاب القرار من ضعف بناء القيم وغرسها وتغيرها جيلا إثر جيل. وإذا كان ذلك في شأن جميع مجالات القيم فإنها في مجال القيم الأخلاقية أكثر وأشد خطراً. وأزمة تمثل القيم الأخلاقية عمت حياة المتعلمين في جميع المراحل، حيث غابت القيم الخلقية فظهرت بعض المسالك الخاطئة على المتعلمين، وانعكس أثرها على بقية أفراد المجتمع، وأبعاد هذه الأزمة وآثارها واسعة عريضة، ولذا فإن المؤسسات المجتمعية - ولا سيما وزارة التعليم - يقع عليها العبء في تأسيس بناء تربوي يستند على أهداف صحيحة وسليمة تستلهم قيم الأمة؛ لما تمتلك من مقومات الذات الأصيلة، حيث إعادة القيم الأخلاقية الإسلامية إلى مكانها الصحيح من خلال ما يدرس للمتعلمين في المدارس من مناهج متعددة في إطار من التكامل بين الدين والدنيا؛ لتحقيق الوسطية التي هي حقيقة الإسلام؛ لأنه إذا انفصل الدين عن الدنيا انشطرت الشخصية الفردية وتداعت علاقات المجتمع وحدثت ويلات في المجتمع والفرد على حد سواء. إن دور التربية والتعليم في ضوء التحديات المعاصرة وعمليات الغزو الثقافي والعولمة وثورة المعلومات والاتصال والإعلام الجديد واستخداماتها وغير ذلك من متغيرات تهدد بناء القيم بشكل عام، والقيم الأخلاقية بشكل خاص، كل ذلك يحتم على المؤسسات التربوية وهيئاتها التعليمية الاهتمام بشأن القيم الأخلاقية وترسيخها في نفوس المتعلمين. وفي هذا السياق يجدر الإشارة إلى عمل نوعي وافق عليه ولي العهد الأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - وهو تأسيس كرسي يشمل قضايا متعددة تمس المجتمع الإسلامي والعالمي، ورأى - رحمه الله - الحاجة ماسة إلى إنشاء كرسي للدراسات العلمية المتعلقة بالقيم الخلقية باسم (كرسي الأمير نايف للقيم الأخلاقية) في جامعة المؤسس - صاحب القيم الأخلاقية الإسلامية الأصيلة - جامعة الملك عبدالعزيز - رحمه الله. والواقع أن إنشاء هذا الكرسي للقيم الأخلاقية عمل يستحق الإشادة والاهتمام لما تمثله القيم الأخلاقية من أهمية قصوى في عصر العولمة الذي قارب بين الثقافات والمجتمعات المختلفة، وأسهمت مخترعاته الحديثة، كالبث الفضائي المفتوح ووسائل الاتصالات والتقنية الحديثة في انتشار كثير من القيم والعادات والتقاليد الغريبة عن قيمنا الإسلامية، حيث يقوم الكرسي بعمل منهجي من محاضرات وندوات ومؤتمرات ودراسات وأبحاث وورش - حيث شرفت بالمشاركة في إحداها - وبناء وثائق منهجية للقيم الأخلاقية، كل ذلك بتكامل مع المؤسسات المختلفة كالجامعات والمدارس والأندية الأدبية والثقافية والمساجد ووسائل الاتصال والإعلام المختلفة. إن الحاجة قائمة في مبادرات جادة - كتلك المبادرة الموفقة - تسهم في غرس القيم الأخلاقية الإسلامية التي ينعكس أثرها في تحصين أبنائنا الطلاب من الأفكار والدعوات المضللة، ولبناء شخصية متكاملة قادرة على الفخر بهويتها وقيمها الإسلامية العالمية. بارك الله في الجهود، وسدد الخطى وحقق الأهداف ومن الله العون، ومنه نستمد التوفيق.