أهم هدية قدمتها دبي للعالم العربي هي أنها كسرت ذلك الحاجز النفسي الرهيب، الذي عطّل كثيرا من الأحلام العربية، ومُرتكزه أن لحاقنا بالعالم الأول ليس صعبا، بل مستحيلا، ثم جاءت دبي لتقلب هذه الفكرة رأسا على عقب. نعم. يمكن لعالمنا العربي أن يبني مدينة على غرار نيويورك ومانشستر وهونغ كونغ. هذا ليس مستحيلا. المسألة هي قدرة قيادة ما، على رؤية المستقبل دون حواجز. لقد أجهضت دبي صرخة الشاعر البريطاني الكبير «رديارد كيبلنج» الذي كان يظن أن «الشرق شرق والغرب غرب.. ولا يلتقيان». بينما في دبي تتلاقى قارات العالم، وكأن هذه المدينة الصغيرة في الشرق الأوسط، تجسيد عملي لحقبة العولمة، وتأكيد على أن «العالم مسطح» كما يقول توماس فريدمان أشهر الذين كتبوا عن العولمة العالمية. دبي الدليل الحي على أن هذا العالم قرية واحدة. قرية واحدة كبيرة. خلال سنوات قليلة تحولت دبي من إمارة ساحلية، تزعجها العواصف المدارية المتربة، وتتناثر على ضفافها البيوت الطينية الصغيرة، إلى منصة عالمية تلتقي فيها الخبرات العالمية، مع المحلية، وتصنع منها روافد فكرية متعددة، تسهم في التنمية، والحركة الاقتصادية، وتدعم مشاريع الأعمال الناشئة. في أضخم منتدى اقتصادي في الشرق الأوسط، وهو منتدى المؤتمر العالمي للاستثمار، في الرياض، قال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد إن المنطقة كانت ذات نمط إداري تقليدي يسيطر عليها، وهو إدارة الثروة الموجودة، حتى جاء حاكم دبي ليغير المعادلة. وهذا بالفعل سر دبي الكبير وسحرها. إنها إمارة لا تمتلك الكثير من الثروات الطبيعية. قليلا من النفط، قليلا من الطبيعة، كثيرا من البحر، كثيرا من الصحراء. بيد أنها تمكنت من أن تحول ضعفها إلى قوة من خلال فتح الباب أمام الكوادر القادرة على العمل، والاستثمار، وعدم الخوف من الأفكار الجديدة، وأصبحت المكان الذي يحقق فيه الناس أحلامهم. كل من يأتي إلى دبي للعمل يحمل حلمه في قلبه، وكثيرون تمكنوا من أن يصنعوا لهم مكانا ومكانة في عالم الاقتصاد، والفنون، والتجارة. كفاءة جهاز دبي التسويقي جعلت كثيرين يظنون أن هذه الإمارة الصغيرة ليست سوى حفلة استعراض مطولة، ومجرد نسيج من الأبراج العالية، والمشاريع الجنونية. في العمق تكتشف أن هذا الأمر ليس دقيقا، بل هو جزء من الصورة، وليس الصورة كلها. تمتلك دبي أكفأ بنية تحتية في الشرق الأوسط، كما أنها تمكنت من الموازنة بين تقاليدها العربية الإسلامية، دون التضعضع عن اللحاق بركب الحداثة. كل هذا النجاح الذي حققته دبي لا يكفي قيادتها كما يبدو، ففي حديث مع الصحافي المعروف أفشين مولافي، نشرته مجلة نيوزويك الأمريكية ذائعة الصيت، يقول حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد إنه لم يحقق سوى عشرة في المائة من أحلامه. لهذا كتب مولافي: «إنه شيخ على الطريقة العربية التقليدية، ومدير تنفيذي على الطريقة الغربية العصرية».