لو أتيحت الفرصة لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت أن تعلق صورة خادم الحرمين في زجاج سيارتها، كما يفعل السعوديون، لما ترددت في ذلك، ولأوردته في مذكراتها «السيدة الوزيرة». لم تقل أولبرايت ذلك صراحة، لكنها دللت علىه من خلال انطباعاتها إذ وصفت خادم الحرمين بأنه «ذو هيئة تفرض وجودها على نحو مؤثر بثيابه البيضاء». أما السعوديون، فلم ينتظروا أن يتبوأوا منصب الوزيرة، بل سارعوا بعفوية إلى وشم صور قائدهم على صدر زجاج سياراتهم، محولين شوارع المدن إلى معرض فوتوغرافي، غير منتظرين جهات رسمية لتنظيمه، وصاحبت الصور ذاتها، عبارات «صقر العروبة»، و»أبو متعب»، و»ملك الإنسانية». وشارك المواطنين في صوغ عباراتهم في مليكهم، الباحث الأميركي أفشين مولافي، واصفاً إياه ب»ملك الشعب»، و»صديق الفقراء»، مستوحياً ذلك من زيارته إلى السعودية، مسجلاً إياها في كتابه عن خادم الحرمين الشريفين، خرج فيه برؤية لشخصية الملك، بأنه «قائد إصلاحي، يعمل من داخل النظام لإصلاحه»، مدللاً على ذلك ب»مد يده إلى الفئات المحرومة والمهمشة في البلاد، وإشراك جميع السعوديين في حملة تنمية المملكة». هل يكتفي السعوديون بشهادة مولافي؟ ليسوا في حاجة لها، ولكنهم سيقفون عند مقارنته بين خادم الحرمين الشريفين ورؤساء آخرين، وتوصله إلى أن «الملك يكن مشاعر عطف ورأفة خاصة، تجاه الفقراء، تميزه عن بقية قادة العالم، الذين أعرفهم». يهز الشعب رأسه، ويقول «شهدناه في أحياء فقيرة في الرياض»، زيارة أطلقت حملة القضاء على الفقر. ولا ينتظر المجتمع السعودي شهادة باحث أميركي في التدليل على «محاربة الفساد، وإرساء بيئة منفتحة»، وخاصة مع تلمسهم «توسيع مساحة الحرية للصحافة المحلية والأجنبية التي توزع في المملكة». ويقف مولافي مشدوهاً أمام «خطة وضعها الملك»، تستهدف نهضة علمية ومعرفية شاملة، وتتمثل في «إرسال عشرات الآلاف من الطلبة السعوديين، لتلقي التعليم الجامعي في الولاياتالمتحدة وأوروبا وآسيا، من أجل إعداد جيل جديد قادر على مواكبة متطلبات العصر والعولمة. مولافي يعشق السلام، يظهر ذلك من خلال إبداء إعجابه الكبير في «ديبلوماسية خادم الحرمين الشريفين وسياسته على الصعيد العربي والإسلامي في الآونة الأخيرة»، وأن الملك «أبدى نشاطاً استثنائياً في القيام بمبادرات، من شأنها إحلال الاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط». وما غفل عنه مولافي، تذكره المؤرخ عبد الرحمن سليمان الرويشد، المهتم بتدوين تاريخ الأسرة المالكة، ويتمثل في اهتمام الملك باقتصاد نشط، ويذكر الرويشد أن «خادم الحرمين حين كان رئيساً للمجلس الاقتصادي في حرب تحرير الكويت، بلغه أن تحويلات بالبلايين خرجت من البلاد، اعترض أن يُمنع أحد من تحويل أمواله، وتبين أن ذلك عين الحكمة، ولو تم غير ذلك، ومنعت التحويلات، لفقد الاقتصاد السعودي الكثير من الثقة به»، مدللاً على «عودة الأموال الهاربة ومعها مثلها». ولكن من يحرم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز من شعبه، هم ببساطة أبناؤه مسؤولو «الحراسة الأمنية»، الذين يرافقونه في زياراته الميدانية للمجمعات والأماكن العامة، ليس هدفهم إبعاده عن الشعب، وإنما خوفاً عليه، إلا أن «الترتيبات الأمنية لسير الملك وتنقلاته في مواقع عدة في المكان الواحد، تتغير لحظة إبداء مواطنين رغبتهم السلام عليه»، يفاجئ حرسه بكلمات «لا تحرموني من رؤية شعبي»، وأمام هذه الرغبة، يعقب بأن «الحامي هو الله، وثقتي في شعبي أكبر من أن يقف حاجز أمامها». ينقل هذه المشاهد رئيس الشؤون الخاصة لخادم الحرمين الشريفين إبراهيم عبد الرحمن الطاسان. ويصف الطاسان العلاقة بين الملك وشعبه بأنها «قائمة على الاحترام والحب المتبادل»، تمثلت في لقاءات في «الأسواق والأماكن العامة في عدد من المدن»، وتظهر «بساطته وتواضعه وقربه إلى شعبه»، قريب إلى درجة الوقوع في زحمة السير، «كنا متجهين إلى زيارة أحياء فقيرة في مدينة الرياض، ومن دون موكب ملكي، إنما «كنا نستقل سيارة عادية»، وهنا وقع السائق في حيرة، وأجبروه على «الوقوف المتكرر في زحمة السيارات، حتى وصلنا الحي المقصود».