المؤرخ جواد حسين الرمضان، الذي ودعته الأحساء الأسبوع الماضي، في موكب مهيب، وعزاء مزدحم بالمعزين.. كان رحمه الله قد أمضى بين نسج «البشوت» ونسج الحروف سنوات حياته الأولى، قبل أن يتفرغ لرحلة مضنية وممتعة مع الكتب، يبحث عن مخطوطاتها النادرة في مضانِّها داخل البلاد وخارجها، لينقل ويصحح وينشر شيئًا من هذه المخطوطات، بعد أن وجد بين صفحاتها عشقه الدائم، واكتشف بين سطورها وَلَعَه الكبير بالتاريخ والتراجم والأنساب، خاصة ما يتعلق منها بالأحساء، وقد أضحى غواصًا يبحث عن لآلئه الثمينة في بحار تحمل لججها المتلاطمة ما ندر من كتب تتعلق بهذه الواحة وأدبائها ومؤرخيها، وذوي الشأن من رجالها، الذين كان لهم نشاطهم المعروف في جميع مناحي الحياة. واستطاع الرمضان - رحمه الله - في رحلته مع الكتب أن يجمع من المخطوطات التراثية ما ساعده على تحقيق وتأليف وطباعة العديد من الكتب الهامة، ذات الأجزاء المتعددة، بما تحتويه من علوم في الأنساب والتاريخ والأدب، قل مثيلها لدى المتابعين للنشاط الثقافي في هذه المنطقة، لتصبح مرجعًا للدارسين والمهتمين وطلاب العلم، وشملت قائمة مؤلفاته العديد من الكتب، التي انتهج فيها طريقة المؤلفين القدامى الذين يطيب لهم أن تظهر مؤلفاتهم في عشرات الأجزاء، مما يدل على جلده وقوة عزيمته، وإصراره على مواصلة البحث والتنقيب عما تركه علماء وأدباء هذه المنطقة والخليج، من درر التاريخ والأدب شعرًا ونثرًا. وكان مجلسه الأسبوعي يضم العديد من الأدباء الذين يأنسون لأحاديثه الأدبية التي تدل على سعة اطلاعه وعمق ثقافته التراثية، ولم يخل مجلسه أيضا من تلاميذه الذين يدفعهم حب العلم والمعرفة إلى التزود من معين علمه، والاستفادة من تجاربه الحياتية، وعلاقاته بأدباء جيله، وأسفاره بحثًا عن العمل أو العلم، والواقع أن مجلسه كان يضيق بالزوار، الذين يفدون إليه حتى من خارج الأحساء، وأحيانا من بعض دول الخليج العربية، فهو معروف على نطاق واسع في بلادنا والبلدان المجاورة. وعندما تأسس نادي المنطقة الشرقية الأدبي كان الراحل - رحمه الله - من أدباء الأحساء الذين اختارتهم الدولة لعضوية مجلس إدارته، حيث لم يغب عن المسئولين أهمية حضور أدباء الأحساء في إدارة هذا النادي، فتم اختياره لهذه المهمة ومعه الشيخ أحمد بن علي آل الشيخ مبارك، والأستاذ مبارك إبراهيم بوبشيت، وكان حضورهم الأسبوعي من الأحساء إلى الدمام سببًا من أسباب ازدهار النادي، وامتداد نشاطه إلى محافظات المنطقة الأخرى، كما كان لرئيس النادي في ذلك الوقت الأستاذ عبدالرحمن العبيد، - رحمه الله - دوره القيادي في تألق النادي، وكثافة أنشطته المنبرية، وتعدد إصداراته الثقافية المتنوعة. وكان الراحل متابعًا جادًا للنشاط الثقافي في المنتديات الرسمية والأهلية، وعرف عنه حضوره الدائم، ومشاركاته المستمرة في أنشطة هذه المنتديات، في الأحساء والقطيف والبحرين، قبل أن يتقدم به العمر، وتلزمه السنوات بالبقاء في منزله.. يستقبل زواره بكل ما يحمله قلبه من ود ومحبة، وما تحمله نفسه من تواضع وكرم، وما يحمله شخصه من علم وافر وثقافة عريقة. رحم الله جواد بن حسين الرمضان، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.