فقد الوطن الأسبوع الماضي علما من أعلام الثقافة والأدب والتاريخ في محافظة الأحساء هو المؤرخ والأديب الأستاذ جواد بن حسين الرمضان، الذي يستحق بحق لقب «شيخ المؤرخين» لما قدمه من جهد علمي وبحث توثيقي لتاريخ المنطقة ورجالاتها وعوائلها، ولما تركه من كنوز معرفية عديدة. المؤرخ الرمضان من مواليد الأحساء عام 1355ه (1934م) من أسرة اشتهرت بالعلم ومهنة خياطة البشوت التي توارثتها أجيال العائلة، ونشأ في بيت علمي، وتنقل في صغره بين البحرينوسوريا حيث درس الابتدائية في نادي العروبة في البحرين، والمتوسطة في سوريا. كما درس اللغتين الانجليزية والفارسية، وختم القرآن الكريم. اهتم بجمع وتدوين وتوثيق تراث الأحساء وتاريخها وأنساب عوائلها وأسرها، وكان متميزا في أبحاثه ودقيقا في مراجعاته وتثبيت مصادر معلوماته، وصبورا دؤوبا في كتابة مواده العلمية التي أثرى بها المجتمع ووفرها للباحثين من بعده. ويعد من الباحثين المتميزين الموسوعيين القلائل حيث جمع بين أكثر من علم ووظفها توظيفا دقيقا وجادا في خدمة رسالته التي عمل عليها وهي توثيق تاريخ الأحساء. تميز مجلسه العلمي صباح كل جمعة بحضور الأدباء والشعراء والمهتمين بالتاريخ والتراث والأنساب من مختلف دول الخليج، وكان محفلا علميا يخرج حضوره بفوائد جمة من المعلومات التاريخية واستعراض أهم المصادر التراثية ومراجعة وتداول قصائد الشعر ومقاطع الأدب. من أبرز المؤلفات التي خلفها «شيخ المؤرخين» كتابه «مطلع البدرين في تراجم علماء وأدباء الأحساء والقطيف والبحرين» والذي يقع في 12 مجلدا، وكتاب «أعلام الأحساء في العلم والأدب لسبعة قرون من سنة 800 هجرية» ويقع في 3 مجلدات، وكتاب «صحيح الأثر في تاريخ هجر»، وكتاب «قلائد الجمال في تراجم مشايخ آل رمضان»، وكتاب «المغانم في تراجم آل أبي المكارم»، وكتاب «أنساب الأحسائيين»، وكتابه «كشكول أدبي» ويقع في 4 مجلدات، بالإضافة لديوان «أحسائيات»، وكتاب «معجم أعلام دول الخليج في العلم والأدب»، وغيرها من المؤلفات التي تهتم بالتراث العربي للجزيرة العربية وما حولها. حياته كانت مليئة بالكفاح والمثابرة، لم يفصل بين كده للمعيشة واهتمامه بالعلم والتاريخ، فواصل في مهنته واجتهد في المشاركات العلمية والبحثية وإلقاء المحاضرات والتأليف. في الحفل الذي أقامه احتفاء به نادي الأحساء الأدبي في العام الماضي وحضره جمع كبير من الأدباء والمثقفين، عرض فيلم عن حياة المؤرخ الراحل استعرض فيه تفانيه وجهوده الكبيرة والمضنية لجمع التراث من مختلف المكتبات العربية، وبحثه المتأني عن كل معلومة يدونها كي تكون موثقة وصحيحة. إن مثل هؤلاء الرجال الجادين في حياتهم والمخلصين لرسالتهم، يستحقون منا جميعا وقفات تأمل لإعادة قراءة مسيرتهم العلمية وخدماتهم الجليلة التي يقدمونها لمجتمعهم ووطنهم، وتستحق أن تكون مثابرتهم وجهدهم العلمي درسا للأجيال القادمة كي تتعلم منهم قيمة العلم وأهميته ودوره في بناء المجتمعات وتطورها.