مرة أخرى يثبت نادي الأحساء الأدبي إصراره على التفاعل مع المجتمع من خلال برامجه الرمضانية المكثفة، وتبني الفعاليات الثقافية ذات الاهتمام الجماهيري، وفي نهاية الأسبوع الماضي احتضن النادي احتفاء الأحساء بأحد اعلامها البارزين الشيخ جواد بن حسين الرمضان وسط حضور كبير يدل على مكانة الشيخ الرمضان في قلوب أهل الأحساء. وهو من الذين تعجز الكتابة عن الإلمام بسيرته الذاتية لما فيها من جوانب مشرقة اتسمت بالإصرار على تجاوز العقبات، وقد تغلب على اليتم المبكر، وعدم القدرة على الانتظام في سلك التعليم النظامي، فأخذ من العلم أقله ليبدأ مشوار التثقيف الذاتي بعد أن وضع هدفًا نبيلًا ورائدًا لمسيرته مع البحث التاريخي والتراثي وكتابة سير الأعلام والتعمق في علم الأنساب، ولنا أن نتصور صعوبة الأمر إذا عرفنا اضطراره للسفر بحثا عن لقمة العيش، من خلال مهنة خياطة المشالح التي ورثها عن أسرته، وفيها من الأعلام ما دفعه إلى السير على أثرهم، فكما ورث عنهم مهنة خياطة المشالح، ورث عنهم أيضا حب العلم والمعرفة والبحث، وفي مجتمع الأحساء القديم ظهر من وسط الحرفيين علماء أدباء ومؤرخون يشار إليهم بالبنان، ومنهم شيخنا الرمضان.ومثل هذه الأحداث تشكل عوامل إحباط في حياة الكثيرين، لكنها لم تكن سوى إشراقات في حياة الشيخ الرمضان.. أمدته بالإصرار على مواصلة الاجتهاد في القراءة والبحث عن مصادر ومخطوطات تخدم هدفه النبيل وغايته السامية في تسجيل تاريخ وتراث الأحساء والخليج العربي.. هذا الحلم الذي لم يفارق مخيلته منذ كان صغيرًا، شهدت حارة الفوارس في الهفوف بواكير طفولته، ورعت أحلام وأمنيات شبابه، وحمل حبها في وجدانه، وكانت الأحساء رفيقة الدرب الطويل والسفر البعيد، إلى أن عاد إليها قويًا بإيمانه وعلمه، ليعكف على خياطة المشالح، التي علمته الصبر والتأني، بينما ركز بوصلة تفكيره في اتجاه البحث عن ما اكتنزته بلاده في بطون المخطوطات من معلومات استخلص منها ما ساعده على تأليف العديد من كتب التاريخ والتراث والأنساب وسير الأعلام والشعر، حتى توفر لديه من الكتب ذات الأجزاء المتعددة ما يمكن أن يؤثر على مسار الحركة الثقافية في الأحساء، عندما تصبح بين أيدي القراء. ولا أعرف لماذا تأخرت طباعة كتب الرمضان وهي الكنوز التي ستعم منها الفائدة على هذا الجيل والأجيال القادمة، وهذا عمل وطني جدير برجال الأعمال أن يسهموا في إنجازه.