ها هو شهر الخير قد قوضت خيامه، فحق لنا أن نحزن على فراقه، ونحن لا ندري هل ندرك غيره أم لا.. وهو شهر الرحمات، وتكفير السيئات، وإقالة العثرات. يمضى رمضان وهو شاهد لنا أو علينا، شاهد للمجتهد بصيامه وقيامه وبره وإحسانه، والمقصر بغفلته وإعراضه ونسيانه. رمضان سوق، ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر، فما أسعد نفوس الفائزين وألذ عيش المقبولين، وما أذل نفوس العصاة المذنبين، فتذكر أيها الصائم وأنت تودع شهرك سرعة مرور الأيام، وانقضاء الأعوام؛ فإن في مرورها وسرعتها عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين. بالأمس القريب كنا نتلقى التهاني بقدومه، ونسأل الله بلوغه، واليوم نودعه، فما أسرع مرور الليالي والأيام والشهور والأعوام، وتذكر دائماً أن العبرة بالخواتيم، فاجعل ختام شهرك الاستغفار والتوبة، فإن الاستغفار ختام الأعمال الصالحة. كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يجتهدون في إتمام العمل وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من رده، فاحرص على المداومة على الأعمال الصالحة التي تعودتها في هذا الشهر الكريم، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ، وقد سئلت عائشة رضي الله عنها - كما في البخاري- عن عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: «كان عمله ديمة»، أي: دائماً مستمراً، كالمطر الدائم الذي لا ينقطع. وإذا كنا نودع شهر رمضان، فإن المؤمن لن يودّع الطاعة والعبادة، ما دام في صدره نَفَس يتردد، والله جل وعلا يقول: «قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت» (الأنعام:162)، فالحياة كلها يجب أن تكون لله في جميع الأحوال والأوقات والظروف. اللهم تقبل منا الصيام والقيام، وأحسن لنا الختام، اللهم اجبر كسرنا على فراق شهرنا، وأعده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة، واجعله شاهداً لنا لا علينا، اللهم اجعلنا فيه من عتقائك من النار، واجعلنا فيه من المقبولين الفائزين.