لقد تمعنت كثيراً في هذه العبارة التي وردتني عبر الجوال وما تحمله من رسائل موجهة الينا يجب استثمارها في التجارة مع الله قبل رحيل ضيفنا العجول. حقاً ان رمضان الشهر الكريم بخيراته عجول. ويا بخت الفائزين والمجتهدين والمستغفرين والخاشعين والمتصدقين والمستفيدين من بركات هذا الشهر الفضيل. بالأمس القريب كُنَّا نستقبل شهر رمضان، وها هو قد أزف رحيله، وحان وداعه، فماذا أودعناه من العمل؟ أكثرنا يتعجب من سرعة انقضاء هذا الشهر، فما إنْ دخل وفرحنا به، حتى شارفنا على انتهائه، وهذه السرعةُ ما كانت لولا تيسير الله لنا، وإنعامه علينا بالأمن والامان ورغد العيش، فهل مرّ شهر رمضان سريعاً على من يعيش تحت وطأة الحروب؟ وهم يسمعون أصوات المدافع والطائرات ليل نهار، ويُصبحون ويُمسون على فَقْدِ حبيب، أو إصابة قريب. فيا من أَلِف الحق، تمسك به هُديت، واستمر عليه، نعم اجعل رمضان كقاعدة تنطلق منها للمحافظة على الصلاة في باقي الشهور، نعم اجعل رمضان منطلقاً لترك الذنوب والمعاصي؛ عَلَّ الله- عز وجل- أن يغفر لك ما قدمت، وإياك ثم إياك أن تكون من عُباد رمضان. ما أسرع انقضاء الأيام، كم هي سريعة هذه الدنيا، يمر الشهر كاليوم واليوم كالساعة، تنقضي أعمارنا بدون أن نشعر والسعيد من اتخذ من سرعة انقضاء الأيام عبرة فعلم قيمة وقته وعلم أن وقته ما هو إلا عمره الذي ينقص مع كل نفس من أنفاسه فيغتنمه بما يعود عليه بالخير في الدنيا والآخرة. في شهر رمضان المبارك يزداد شعور الناس بالزمن وقيمته، فيذّكر بعضهم بعضاً به سواء علق الأمر باقتراب وقت الفطور أو السحور، أو اقتراب وقت صلاة التراويح أو صلاة من الصلوات المفروضة. كما يتساءل الجميع: كم مرّ يوم أو أسبوع من رمضان؟ وكم بقي منه؟ وهل نحن في أول الشهر أم في وسطه أم في آخره؟ إلى غير ذلك. مع إقرار الجميع بأن أيام رمضان سريعة المرور. ويستغرب الناس سرعة انقضائها وما سرعة انقضائها إلا انعكاس لارتفاع معدل الشعور بالزمن وقيمته. وقيمة الزمن وأهميته يكاد يجمع عليها كافة البشر من حيث المبدأ؛ فالأفعال مرتبطة بالزمن وحياة الإنسان مرتبطة بأفعاله. لابد من وقفة محاسبة جادة ننظر فيها ماذا قدمنا في شهرنا من عمل؟ وما هي الفوائد التي استفدناها منه؟ وما هي الأمور التي قصرنا فيها؟ فمن كان محسناً فليحمد الله وليزدد إحسانا وليسأل الله الثبات والقبول والغفران، ومن كان مقصراً فليتب إلى مولاه قبل حلول الأجل. تعالوا أحبائي نشاهد بيوت الله في هذا الشهر الفضيل ونكون معهم ومن الفائزين قبل انتهاء شهر ضيفنا العجول صلاة وقيام وركوع وسجود واطعام الطعام وبر واحسان وتذكير بأطيب الكلام وتدبير والترتيل. تذكر أيها الصائم وأنت تودع شهرك سرعة مرور الأيام، وانقضاء الأعوام، فإن في مرورها وسرعتها عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين. وفي الثلث الأخير من شهر رمضان المعظم تتضاعف الحسنات وتتعدد المناسبات فقد جعل الله تبارك وتعالى في العشر الأواخر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر إكراما من الله لأمة محمد عليه الصلاة والسلام حتى تكثر حسناتها ولا تسبقها الأمم الأخرى. احرص على قيام العشر الأواخر من رمضان، ولو أن تضطر إلى تأجيل الأعمال الدنيوية، فلعلك تحظى بقيام ليلة القدر، فإن قيامك فيها تجارة عظيمة لا تعوض. وتأتي أهمية قيام ليلة القدر أنها ليلة يحدد فيها مصير مستقبلك لعام قادم؛ ففيها تنسخ الآجال، وفيها يفرق كل أمر حكيم. فاحرص أن تكون فيها ذاكرا لله ومسبحا له، أو قارئا للقرآن، أو قانتا لله، تسأله السعادة في الدنيا والآخرة، وإياك أن تكون فيها في مواطن الغفلة، كالأسواق ومدن الملاهي ومجالس اللغو فيفوتك خير كثير. اللهم لك الحمد أن بلغتنا شهر رمضان، اللهم تقبل منا الصيام والقيام، وأحسن لنا الختام، اللهم اجبر كسرنا على فراق شهرنا، وأعده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة، واجعله شاهداً لنا لا علينا، اللهم اجعلنا فيه من عتقائك من النار، واجعلنا فيه من المقبولين الفائزين فضيفنا عجول فشمروا له.