مع التحرك الدبلوماسي المتواصل لإنهاء برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، يستعد شمال شرق آسيا لشيء لم يكن يخطر على بال الكثيرين قبل أشهر مضت، ألا وهو سحب أو تخفيض حجم القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية. وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لها: إن هذه القوات كانت حجر الأساس للتحالف بين واشنطن وسوول منذ الحرب الكورية 1950- 1953، فقد كانت بمثابة حصن ضد عدوان كوريا الشمالية، وحافظت على سلام هش سمح للجارة الجنوبية بأن تبني اقتصادها لتصبح قوة عالمية. وجود هذه القوات الذي استمر 65 عامًا، بات موضع تساؤل الآن من قِبَل الرئيس دونالد ترامب، الذي يشكّك في استمرار هذا الوجود بالخارج؛ لأنه مكلف من ناحية ومن الناحية الأخرى فقد دعا زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون؛ إلى إبرام معاهدة سلام لإنهاء الحرب الكورية. وبينما يستعد الرئيس الأمريكي وزعيم كوريا الشمالية للاجتماع خلال الأسابيع القليلة المقبلة لوضع حد لبرنامج بيونغ يانغ النووي، ومناقشة السلام، أمر ترامب وزارة الدفاع بإعداد خيارات لخفض عدد القوات الأمريكية في كوريا الجنوبية، وذلك وفقًا لعدة مصادر مطلعة على هذه المداولات. وهزت هذه الأخبار كوريا الجنوبية واليابان، حيث يشكّك كثيرون في تعهّد زعيم كوريا الشمالية بنزع أسلحته النووية عبر المفاوضات، ويخشون من أن دبلوماسية ترامب تحت شعار «أمريكا أولًا» ستتركهم في النهاية يدافعون عن أنفسهم؛ بينما تتزايد قوة الصين العسكرية. وظهرت إمكانية تخفيض عدد القوات في الوقت الذي ظهرت فيه مؤشرات أخرى على إحراز تقدم دبلوماسي في شبه الجزيرة الكورية. وفي واشنطن قال ترامب للصحفيين: إنه حدد موعد ومكان اللقاء مع كيم، وسيعلن التفاصيل قريبًا؛ ومن جانبها قالت وكالة الطيران التابعة للأمم المتحدة التي تحكم المسارات الجوية: إنها سترسل أحد مدرائها لكوريا الشمالية لمناقشة فتح طرق لجارتها الجنوبية. وفي سوول تحرك الرئيس مون جاي بسرعة لتهدئة التوتر حول خفض القوات الأمريكية، ولطمأنة كبار السن المحافظين، الذين يعتبرون الوجود الأمريكي رمزًا للأمن القومي، ويشككون في نوايا كيم؛ وقال مكتب مون: إن الأخبار التي تتحدث عن خفض القوات الأمريكية، ليست حقيقية على الإطلاق. وقال زميل معهد السلام لي بيونج تشول: إن حكومة مون لا تريد أن ينتقل تركيز الاهتمام العام من نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية إلى انسحاب القوات الأمريكية، ولكن إذا وقعت معاهدة سلام فإن القوات الأمريكية ستخرج، وسبب إقامتها سيزول. ويخشى المحافظون في كوريا الجنوبية من سحب القوات الأمريكية قائلين: إن من شأنه أن يعرّض بلادهم لأعداء محتملين أقوى بكثير من كوريا الشمالية، مثل الصين واليابان اللتين غزتا بلادهم عدة مرات، ورد الكوريون الجنوبيون على جهود واشنطن السابقة لسحب قواتها بدعوات للتسلح النووي. ورغم تفوق القوات البحرية والجوية الكورية الجنوبية على الجارة الشمالية، إلا أن الأخيرة لديها جيش أكبر بكثير، بما في ذلك مخزون من الأسلحة الكيماوية والنووية وبطاريات ضخمة من المدفعية والصواريخ والقذائف ما يمكنها من ضرب سوول، التي يسكنها 10 ملايين نسمة. وحمى الجيش الأمريكي كوريا الجنوبية واليابان تحت مظلته النووية على مدى عقود، ويشارك في مراقبة عسكرية عالية التقنية، ويجري مناورات مشتركة سنويًا استعدادًا لأي صراع. وبحسب الصحيفة، قال شين الذي كان أفضل إستراتيجي تنفيذي قبل تقاعده من الخدمة في الجيش الكوري الجنوبي: إن سبب بقاء المستثمرين في بلادنا حتى مع التجارب النووية لبيونغ يانغ وتنامي قوة الصين، كان بسبب وجود القوات الأمريكية. وأضاف شين: إذا هزوا التحالف مع واشنطن من أجل نزع سلاح كوريا الشمالية النووي، فسوف نواجه أزمة اقتصادية قبل الأزمة الأمنية. ويأتي الحديث عن سحب القوات في الوقت الذي تتفاوض فيه واشنطن وسوول لزيادة المبلغ الذي تدفعه سنويًا كوريا الجنوبية والمقدّر ب800 مليون دولار للقوات الأمريكية البالغ عددها 26.500 جندي، ويريد ترامب تقاسم أكبر للأعباء المالية.