ثمة اجماع على أهمية الدور السعودى فى تحقيق الاستقرار الاقليمى لاعتبارات تتعلق بالموقع والموروث الحضارى والثقل الديني والفعالية السياسية والقدرات الاقتصادية والعسكرية النوعية فى المنطقة وفى هذا السياق فإن هناك ممارسات عملية أقدمت عليها المملكة طوال العقود الفائتة بحيث يمكن التأكيد أنها لم تتبن بيانات وشعارات وانما تقاطعت مع هموم وأزمات الوطن العربى فأضحت لاعبا رئيسيا فى قضاياه وتجاوز منعطفاته الحادة في القاهرة التقت "اليوم " بعدد من الدبلوماسيين والخبراء الذين قدموا تحليلا علميا لدور المملكة على صعيد حماية الأمن القومى العربى وتدعيم الاستقرار فى المنطقة استنادا الى محددات أساسية تحكم توجهاتها ووفق ثوابت وطنية وقومية واسلامية هنا حصيلة ما أدلوا به. ركن أساسي للاستقرار فى البداية يقول السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد للجامعة العربية لشئون فلسطين والأراضى المحتلة : عندما نتحدث عن المملكة العربية السعودية فإننا نتحدث عن دولة تشكل ركنا أساسيا من أركان الاستقرار ليس فى منطقة الشرق الأوسط بل فى العالم استنادا الى مكانتها الاقليمية ثم بشعبها الذى يتكئ على تراث واسع من الحضارة , فضلا عن دورها الرائد والمميز فى الاسلام الوسطى البعيد عن التطرف والمتسامح والانسانى ,وهى كلها سمات يتوافق عليها الجميع وهو ما كان له تأثير شديد على مستوى العالم. ويضيف : هناك أيضا الوضع الديني للمملكة فى ظل وجود المسجد الحرام بمكة المكرمة ,الى جانب المسجد النبوي وشعائر الحج والعمرة التى تهيئ وفود الملايين كل عام الى هذه الأراضى المقدسة ما جعلها منطقة جذب وتعاون وتفاعل ومساواة فالجميع يفدون الى المملكة ويعيشون فيها لحظات مساواة وعدم تباين دون فروق على أساس لون أو عرق أو لغة وهو ما يعطي رسالة للعالم مؤداها أن بنى البشر متساوون فى منظور الاسلام ما يسهم فى تصحيح صورة هذا الدين الحنيف والمنتمين إليه فى ظل ما يتعرض له من هجمات وتشويه من قبل دوائر عديدة فى الغرب ، والى التوسعات التى تقوم بها للحرمين الشريفين ما ييسر على الحجيج قيامهم بمناسكهم على نحو يحفظ سلامتهم وأمنهم الأمر الذى يحظى بتقدير العلماء والمواطنين والساسة فى مختلف أنحاء العالم. ولايتجاهل السفير صبيح ما تتمتع به المملكة من امكانات ضخمة فى مجال الطاقة والنفط تحديدا ولعل أكبر احتياطي بترولي موجود فى أراضيها وهو لا يستغل الا فى خير الإنسانية ,ولم تلجأ الى استخدام النفط ضد دولة أو طرف أو تنفيذا لسياسة تضر بمصالح الأطراف الأخرى سواء على المستوى الاقليمى أو الدولى, بل إنها كانت تحافظ على أن يكون هذا النفط مادة خير لخدمة الحضارة الإنسانية وموردا لخدمة الاقتصاديات العالمية ولتقدم الشعوب وتسعى بقدر الإمكان الى أن تحد من ارتفاعات أسعاره حتى لا تتأثر مستويات المعيشة بالدول الفقيرة والنامية ويؤكد السفير صبيح أن السعودية تمثل مرتكزا قويا من مرتكزات النظام الاقليمى العربى والعمل العربى المشترك ,وهى تساهم فى كل متطلبات الأمن القومى العربى ولم تبخل بأى جهد أو مال على دولة أو منظمة تطلب عونا وكانت ومازالت سباقة على هذا الصعيد ولم يتوقف الأمر عند المستوى العربى, وإنما يمتد ذلك الى المستوى الاسلامي فهى تمد يدها بالمساعدات الى أى دولة أو جماعة أو فئة تحتاج اليها مثلما حدث مؤخرا مع مسلمى مينامار والذين يكابدون اعتداءات الأغلبية البوذية ضدهم كما تقف المملكة دوما مع القضايا الدولية العادلة وتشارك بفعالية فى الكثير من المنظمات العالمية ما يبقى جعل علمها خفاقا منذ تأسيسها وانطلاقها كدولة صاحبة تأُثير واسع فى السياسات الاقليمية والدولية. تسامح وتواضع قائد ويتوقف السفير صبيح عند خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قائلا : إنه شخصية تحظى باحترام الجميع نظرا لتسامحه وتواضعه وإدراكه لمقومات وطنه وأمته كما أنه يتجه مباشرة الى ما يريد تحقيقه أو طرحه بكثير من الشفافية وهو دائما يضع فى اعتباره عندما يكون بصدد قرارات معينة خير الانسانية الى جانب خير المملكة انطلاقا من مبادئ الاسلام السمحة . ولدى سؤاله عن تجليات الدور السعودى فى تحقيق الاستقرار والسلام فى المنطقة, يشير الى ما تتخذه المملكة من قرارات تصب ايجابيا فى هذا المنحى , فعندما كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وليا للعهد طرح مبادرة للسلام فى الشرق الأوسط أقرتها قمة بيروت العربية التى عقدت فى العام 2002 تحت اسم مبادرة السلام العربية والتى حظيت باجماع العالم وقدمت رسالة سلام وحق وهى ما زالت مطروحة حتى الآن خاصة بعد أن تم تعزيزها فى كل القمم العربية التالية ودخلت فى قرارات مجلس الأمن وفى كثير من القرارات الدولية وقد تم التأكيد عليها عبر إرسال وفود عربية رفيعة المستوى الى العديد من العواصم المؤثرة ما جعلها تنال تأييدا كاملا فى الأممالمتحدة والدول دائمة العضوية بمجلس الأمن بينما الطرف الوحيد الذى رفضها هو اسرائيل. ولم يتوقف الأمر عند طرح هذه المبادرة السياسية ولكنها ساهمت وما زالت تساهم فى تقديم العون والمساعدات المالية للشعب الفلسطينى فقد أطلقت المملكة صندوقين أحدهما لدعم انتفاضة الأقصى والآخر لدعم القدس وكلاهما شكل ومازال يشكل رافدا من روافد صمود الشعب الفلسطينى فى مواجهة اسرائيل وهذا الصمود فى حد ذاته من الأهمية بمكان لاستقرار المنطقة وثبات الفلسطينيين وقدرتهم على التصدي للعدوان الاسرائيلى المستمر. سياسة مستقرة ووفقا لرؤية السفير هانى خلاف مساعد وزير الخارجية المصرى الأسبق للشئون العربية فإن المملكة تشكل عمودا وركنا أساسيا من أركان البناء الخليجى والنظام الاقليمى العربى انطلاقا من محددات أساسية أهمها ,قوتها الاقتصادية والعسكرية التى تمثل مرتكزا رئيسيا لا يمكن منافسته من جانب أطراف أخرى و تميزها بارتباطات قوية دولية بوسعها أن توظفها فى علاقاتها والمملكة تعد واحدة من أكبر منتجى ومصدري النفط فى العالم فضلا عما تمتلكه من احتياطيات ضخمة وهو ما يوفر لها قيمة استراتيجية تتجاوز الأقليم الى العالم. ويلفت خلاف الى أن هذه المحددات تمثل أرضية قوية لميزات نسبية فى السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية والتى تتمثل في انها سياسة مستقرة ولا تتعرض لهزات قوية أو دراماتيكية, و تجنب ردود الفعل ذات الطابع الانفعالى والتركيز على العقلانية والواقعية والرصانة فيما يتعلق بأى مواقف تصدر من أطراف أخرى, واستقرار المحددات الرئيسية للسياسة الخارجية فى ظل ضبط لايقاع الحركة مع التجاوب مع التطورات برؤية تأخذ فى الاعتبار المصالح الوطنية والمصالح القومية الى جانب المصالح الاسلامية بحكم المكانة المتميزة التى بلغتها على هذه المستويات. و عن تقييمه لدور المملكة فى تحقيق الاستقرار فى المنطقة قال: لاشك أن دعم الاستقرار الاقليمى يمثل ثابتا من أهم ثوابت السياسة الخارجية للمملكة. قاطرة لقيادة المنظومة الخليجية وحول الدور المهم الذى تمارسه المملكة على صعيد منظومة مجلس التعاون الخليجى رأى خلاف أنها تعد قاطرة لقيادة هذه المنظومة على نحو يجعلها صاحبة تأثير فى محيطها الاقليمى. وفيما يتعلق بالعلاقات مع إيران, يرى أنه من حصافة السياسة السعودية أن تجمع بين رفض التحركات التوسعية أو رغبات الهيمنة من قبل إيران والابقاء على جسور من التواصل مع طهران . عامل استقرار ويتحدث الدكتور حسام هنداوى أستاذ القانون الدولى بجامعة بنى سويف ووكيل كلية الحقوق بها ( والذى عمل استاذا للقانون الدولى بالمعهد الدبلوماسى بوزارة الخارجية السعودية لمدة 14 عاما بالرياض ) عن دور المملكة فى دعم أمن واستقرار المنطقة قائلا : منذ ما يزيد على القرن من الزمان استطاع الملك عبد العزيز - رحمه الله - أن يجمع شتات الممالك والإمارات المتناثرة والمتحاربة فى شبه الجزيرة العربية فى إطار دولة عربية واحدة مترامية الأطراف وهى المملكة العربية السعودية وخلال هذا العمر المديد كانت المملكة - ولاتزال - عاملا مهما من عوامل الاستقرار فى العالم العربى وركيزة أساسية من ركائز الأمن الاقليمى فى هذه المنطقة الحيوية من عالمنا المعاصر وذلك لعدة أسباب فعلى الصعيد الروحى ,حبا الله سبحانه وتعالى المملكة بشرف انطلاق دعوة الاسلام الخالدة من ربوعها الطاهرة وباحتضانها لأهم المقدسات الاسلامية وهى المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوى الشريف بالمدينة المنورة ومن هنا صارت المملكة القبلة التى تهفو اليها قلوب المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها مع الدعاء لها بدوام الاستقرار والازدهار وفى الوقت ذاته يدرك قادة المملكة أن قيام بلادهم بدورها المهم فى تمكين المسلمين من استكمال أركان دينهم الحنيف يقتضى ضمان الأمن والاستقرار ليس فقط للمملكة ولكن أيضا لمحيطها العربى والتى تشكل جزءا لايتجزأ منه وهو ما يحرص عليه هؤلاء القادة منذ تأسيس المملكة وحتى الآن. وعلى الصعيد الجغرافى , تحتل المملكة مركزا جغرافيا متميزا بالنسبة للعالم العربى حيث تقع فى وسط هذا العالم الأمر الذى هيأ لها سبل الاتصال ببلدانه المختلفة ويسر لشعبها سرعة الانتقال والانصهار مع شعوب البلدان العربية الشقيقة ليكونوا معا نواة لشعب واحد يرتبط فى معتقداته وثقافاته ومصالحه المشتركة وقد خلق هذا الوضع لدى حكومات هذه البلدان وخاصة المملكة , ضرورة التعاون من أجل تدعيم أواصر الصلة والقربى بين هذه الشعوب وبما يدعم أمن واستقرار العالم العربى وفي الناحية الاقتصادية , فقد حبا الله سبحانه وتعالى المملكة بثروات اقتصادية هائلة ,فالأراضى السعودية تختزن كميات هائلة من الثروة النفطية والتى جعلت منها أهم منتج للبترول فى العالم , فضلا عن قدرات اقتصادية ضخمة تتحصل عليها من مصادر أخرى متعددة لعل من أهمها التجارة والسياحة الدينية ولاسباب دينية وأخلاقية تستشعر المملكة حق شقيقاتها العربيات فى ثرواتها التى حباها الله بها فتوظفها فى تحقيق طموحات هذه الشعوب وفى مساعدة الدول العربية الشقيقة التى تعانى من مشكلات اقتصادية طارئة أو تواجه كوارث طبيعية شديدة كالزلازل أو الفيضانات أو السيول وغيرها وينعكس ذلك إيجابيا على استقرار وأمن تلك البلدان. الاستقرار العربي وعلى الصعيد السياسى , فقد أرست المملكة منذ تأسيسها وحتى الآن سياستها الخارجية على أساس مجموعة من المبادئ التى تساهم فى تعزيز دعائم الأمن والاستقرار فى العالم العربى تتمثل فى ضرورة تقديم المصالح العربية الكلية على المصالح القطرية الضيقة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى وحل المنازعات الدولية بالطرق السلمية وقد ساهمت هذه المبادئ وغيرها فى تدعيم أواصر الصلة والقربى بين المملكة من ناحية وبين الدول العربية من ناحية أخرى مما انعكس بالإيجاب على أمن واستقرار العالم العربى. أما بشأن دور المملكة فى مساعدة الدول العربية الشقيقة فى حل منازعاتها الدولية أو خلافاتها الداخلية , فأكثر من أن تحصى ولعبت المملكة دورا فى وضع نهاية للعديد من الحروب الأهلية كتجميع الفرقاء اللبنانيين للتوقيع على اتفاقية الطائف لتسدل بذلك الستار على الحرب الأهلية اللبنانية التى استمرت زهاء الخمسة عشر عاما .