الدكتورة هناء البيضاني هي ابنة الراحل الدكتور عبد الرحمن البيضاني نائب رئيس الجمهورية اليمنية الأسبق ، وهي متخصصة وباحثة في العلوم السياسية ، ولها كتاب صادر مؤخراً عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة حول « مفهوم الاستبداد في الفكر السياسي الإسلامي الحديث والمعاصر « والذي ألقى الضوء على ملامح الاستبداد منذ العصر الأموي ، وهي بالإضافة لهذا يستهويها العمل في مجال الخدمات الخيرية والإنسانية والعمل المدني ؛ حيث ترأست جمعية قوافل الخير والأمل بالقاهرة ، والتي أسسها عام 1996 الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية قبل التحاقه بمنصبه الرسمي .. « اليوم « التقتها بالقاهرة ، وأجرت معها هذا الحوار الذي أثارت فيه العديد من القضايا الخاصة بالشأن اليمني والعربي على السواء . بداية ما سر اهتمامك الكبير بموضوع الاستبداد الديني ؟ السر هو الوضع الذي نعاني منه في الوطن العربي والإسلامي ، ولماذا نحن خير أمة أخرجت للناس ومع ذلك نصل إلى هذه الدرجة من التأخر عن مواكبة العالم ، وما توصلت إليه في النهاية هو أن الاستبداد هو السبب في كل هذا ؛ الاستبداد في البيت والعمل وغير ذلك . لكن متى بدأ الاستبداد عربياً وإسلامياً ؟ بدأ منذ الدولة الأموية ، حتى وصل تأثيره إلى العلاقة بين الرجل والمرأة ، وحدث أن تم استدعاء بعض الجذور الفكرية البدوية القديمة ، انطلاقاً من بوادر الخلاف بين السلطة والفرد ، ورغبة السلطة في إذعان الفرد لها وخضوعه لأحكامها على المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي . ومتى بدأ تحرك الفكر والثقافة تجاه رصد ملامح هذا الاستبداد ؟ أول من أطلق مصطلح « الاستبداد الديني « كان الشيخ عبد الرحمن الكواكبي الذي رصد أناساً يتظاهرون بالدين والتدين ويستخدمون ذلك في تبرير تصرفاتهم وسلوكياتهم الاستبدادية تجاه الآخر في تعاملاتهم السياسية والاجتماعية والمالية . لكن ألم يكن اهتمامك بفكرة الاستبداد الديني مرتبطاً ببعض مظاهر الاستبداد في اليمن ؟ بداية أنا « مصرية يمنية « ، « يمنية مصرية « وأنا بالأساس مولودة في مصر ، وطبعاً أفتخر وأتشرف بجذوري اليمنية وبوالدي الدكتور عبد الرحمن البيضاني وبتاريخه الكبير ، وموضوع الاستبداد لا يرتبط لدي فقط بما حدث ويحدث في اليمن ، إنما بما يحدث في العالم العربي الذي أعتبره همي واهتمامي ، والوالد يرحمه الله كان يغرس فينا حب العروبة والإسلام ، ومشكلاتنا ليست في اليمن إنما معظم البلاد في العالم تعاني من مظاهر الاستبداد ، لذا فهو هم عام . على ذكر فكرة العروبة .. البعض يصرح بموت هذه الفكرة فما رأيك ؟ رغم أننا هُنَّا على أنفسنا في الكثير من جوانب حياتنا وقضايانا العربية والعروبية ، إلا أن فكرة العروبة لم ولن تموت أبداً ، وهي إذا كانت تتوارى ، إلا أنها حاضرة بقوة بين الشعوب ، ولا يجب علينا أن نردد مصطلح « القومية العربية « باعتبار مفهومها السياسي ، فهي لن تحدث بهذا المفهوم ، ولكنها ستحدث مؤكداً وفقاً للمفهوم الاقتصادي والشعبي . دعيني أسألك عن كيفية تطور الاستبداد الديني تاريخياً ؟ الاستبداد تدرج مبتدئاً باستبداد السلطة فأصبحت سلطة مطلقة ، ثم تزاوج الاقتصاد بالسلطة ، ثم وصلنا إلى مرحلة الدولة البوليسية ، كل هذا في إطار من غياب العقل . فالسلطة المستبدة تهمش الثقافة والعقل والتعليم . الثورة اليمنية كانت في الربيع العربي مثل باقي ثورات المنطقة ، استجابة لمطالب شعب يريد أن يتحرر من الظلم والفساد والتسلط ، وان يحصل على احتياجاته الحياتية الأساسية ، واليمن مثلها مثل مصر ، تم إسقاط رأس النظام لكن النظام نفسه لا يزال موجوداً ، نظراً لما تم فعله من تجريف الحياة السياسية والعامة . في اعتقادك هل لدينا إشكالية في التعامل مع الدين ؟ نعم بالتأكيد ، فأساس ربط الاستبداد بالدين أناس تمسكوا بظاهر الدين دون أن يتمسكوا ابتداءً بفهمه وإدراك غاياته الأصيلة . إذن كيف تحل هذه الإشكالية ؟ باحياء ثقافة العقل والفكر والاستنباط ، والعمل على تطوير آليات التفكير ، وأنا أؤكد أن تغيير الأنظمة السياسية لن يحل مشكلة الاستبداد في عالمنا العربي والإسلامي ، فقد تغير النظام في مصر وتونس وليبيا واليمن ، ولكن مع غياب ثقافة العقل سيصل بنا الأمر من جديد إلى استبداد من نوع آخر ، وهذا مؤسف للغاية . رسالتك للماجستير كانت في علاقة العلماء بالحكام .. كيف تجدين هذه العلاقة الآن ؟ على مدى تاريخ البشرية هناك علماء سوء وعلماء سلطة وعلماء محايدون ، وهي اشكالية متكررة ومعقدة في ذات الوقت ؛ فالبعض يرى التقرب من الحاكم بهدف تقويمه ، وهناك من يرى غير ذلك ، والآن الأمر أصبح أكثر تعقيداً بخصوص هذه العلاقة ، ناهيك عن جانبها الاقتصادي حيث علماء الفضائيات بثرائهم واتجاههم المعروف . وهناك بعض التجني من الشعوب تجاه تحديد علماء السلطة ، فبمجرد أن ينتسب العالم لوظيفة سياسية يعتبره الشعب عالم سلطة ، في حين أن المعيار الحقيقي هو أفعاله وموقفه من هذه السلطة . ما تقييمك لاشكالية العلاقة الثنائية بين الدين والسياسة وما يتردد بشأن قيام السياسة بتلويث الدين والإساءة إليه ؟ أنا أرى الدين ممثلاً لكل جوانب الحياة ، سواء السياسي منها أو الاجتماعي أو الاقتصادي ، بل والإنساني بشكل عام ، ولكن ربط السياسة بالدين من خلال الأفراد يسيء كثيراً للدين ، ويجب التفريق بين الدين كمنهج حياة وبين تفاوت الأفراد في تطبيق هذا المنهج وفقاً لثقافاتهم ومفاهيمهم ، أما أن ينسب لحزب ما بأنه حزب ديني وبالتالي يفهم أن غيره من الأحزاب لا يمت للدين بصلة ، فهذا أمر في غاية السوء وينطوي على مغامرة ليست في صالح المنهج . ومن ثم لا ينبغي النظر للمؤسسات والأفراد على أنهم ممثلون للدين ، ولكن ممثلين لأنفسهم فقط . تجريف الحياة السياسية والعامة ما تقييمك للثورة اليمنية ولما آلت إليه في الوقت الحالي ؟ الثورة اليمنية كانت في الربيع العربي مثل باقي ثورات المنطقة ، استجابة لمطالب شعب يريد أن يتحرر من الظلم والفساد والتسلط ، وان يحصل على احتياجاته الحياتية الأساسية ، واليمن مثلها مثل مصر ، تم إسقاط رأس النظام لكن النظام نفسه لا يزال موجوداً ، نظراً لما تم فعله من تجريف الحياة السياسية والعامة ، وكان الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح يملك من الذكاء الفطري ما مكنه من الحصول على اتفاقية تتيح له الأمان الشخصي كما تتيح له البقاء داخل اليمن ، والحقيقة أن وجوده باليمن يثير الكثير من المشكلات ، خاصة أن الكثير من أسرته بالجيش والشرطة ، وكونه محمياً في حد ذاته يمثل مشكلة ، وكل هذا في مجمله عرقل ويعرقل استقرار اليمن حتى الآن . ولكن ما المصير الأمثل لرئيس كهذا في أذهان محبي اليمن والباحثين عن استقراره هل هو مصير القذافي أم مصير مبارك ؟ لا مصير هذا ولا مصير ذاك ، ولكن الأمر يتعلق بنقصان حادث في اتفاقية الخروج الآمن له من حكم اليمن ، فكان يجب أن ينص في الاتفاقية على عدم تدخله الكامل في الشأن اليمني لا هو ولا أفراد أسرته ومن يمت لهم بصلة . والغريب أن ابنه يحضر نفسه حالياً لخوض الانتخابات القادمة في اليمن ، وبالتالي لم ولن تستمتع اليمن بالاستقرار لمرحلة أخرى قادمة ، إلا برحيل علي عبدالله صالح خارج البلاد . هل يجب على الشعب اليمني نقض هذه الاتفاقية ؟ إن الاتفاقيات يجب أن تُحترم ، وأن تلتزم كل الأطراف بها ، وهذا طبقاً للمباديء الإسلامية الأصيلة ، لكن يجب على الرئيس اليمني المخلوع أن يرحل مكرماً عن البلاد ، إذا كان محباً لاستقرارها ، وللأسف هناك أطراف فاعلة تعمل على احداث اضطرابات يمنية ، وطبعاً كون اليمن في مضيق عدن والبحر الأحمر ويملك موقعاً استراتيجياً ، فهذا يسبب له تدخل أطراف عديدة به ، على رأسها ايران التي تلعب دورا كبيراً هناك عن طريق الحوثيين وأنصارهم . كيف تنظرين لموقف المثقفين من وصول الإخوان للحكم في مصر ؟ للأسف ، المثقفون دائماً يتكلمون أكثر مما يعملون ، وثرثرتهم الفضائية يجب أن تترجم على أرض الواقع ، وفي مصر دخل الإخوان عن طريق الصناديق ، ولكي يغيّر المثقفون هذا الواقع فلابد أن يكفوا عن الثرثرة الفضائية ، ويجتهدوا بعمق في تثقيف الناس ، وبعد أربع سنوات نرى نتيجة عملهم ، وأنا لست إخوانية ، وضد أى نوع من سيطرة فصيل بعينه ، ولكنهم قدموا عن طريق الصناديق ، ولابد من احترام ذلك . وما رأيك في الإخوان كفصيل ؟ الإخوان كفصيل أنا لا أثق فيه ، وهذا حقي ، لأنهم ليسوا صرحاء ، ويخلفون وعودهم ، وهو ما أخشاه وأخاف منه ، أى نعم هذه هي السياسة ، لكنهم من جهة أخرى ارتبطوا أنهم « إخوان مسلمون « ، فلا يصح أن يخلفوا وعودهم ، كما يحدث اليوم في تصريحات « خيرت الشاطر « التي يقرر فيها أنه ليس هناك مشروع نهضة مفجراً قنبلة إعلامية أحدثت بلبلة بين المصريين ، مثل هذه الأمور لا تصح من فصيل ربط مسماه بينه وبين الإسلام . الربيع العربي فجّر طاقات المرأة العربية وأنت امرأة من جذور يمنية .. كيف تقيّمين حال المرأة اليمنية والعربية حالياً ؟ الربيع العربي فجّر طاقات المرأة العربية بصفة عامة ، وبخاصة في اليمن ومصر ، فرغم تدين المرأة اليمنية والتزامها بارتداء النقاب ، إلا أنها كانت حاضرة في الميدان وأمام السجون والمعتقلات تحمل وسائل التعبير عن رأيها ، وتطالب بحريتها وحرية زوجها وأبنائها ، وهذا شيء مفرح بالتأكيد . لكن بعيداً عن الوجه الثوري هل حققت المرأة اليمنية طفرة نوعية في مجال الثقافة والتحضر ؟ هذا أمر مرتبط بموقع المرأة من العلم والتعلم ، فالمرأة اليمنية في العاصمة صنعاء متحضرة فهناك الصحفيات والإعلاميات بالتليفزيون والمبدعات الكاتبات ، وهي تختلف بالتأكيد في تحضرها عن المرأة القابعة بعيداً عن العاصمة حيث يتوقف التعليم عند المرحلة الابتدائية خوفاً على الفتاة من الأخطار ، وعموماً المرأة اليمنية تتطور شيئاً فشيئاً . ماذا كان يرى ويتمنى والدك الدكتور عبد الرحمن البيضاني قبل رحيله بالنسبة لليمن واليمنيين ؟ فلسفة والدي في الحياة وبالنسبة لليمن كانت تقوم على أسس وقناعات ، منها أن محاربة الفساد لا تكون أبداً بالكلام ، فكان يقول « محاربة الفساد بالكلام فساد « ، وكان يعتبر أن التنمية الشاملة ثقافياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وحتى إعلامياً مع محاربة الفساد ، هي وسيلة ازدهار الشعب اليمني ، فهذه هي التوليفة الخاصة التي كان يؤمن بها . في الختام .. كيف يختفي الحاكم المستبد من حياتنا ؟ لابد أن نبدأ بتعليم الفرد وإعداده علمياً ، فالتعليم هو الأساس الذي يؤسس لفكرة احترام الرأى والرأى الآخر بشكل مبكر ، والشعوب في الأصل هي التي تصنع الحاكم المستبد حينما تستسلم للجهل كأداة من أدوات الحكام للسيطرة على شعوبهم والاستبداد في حكمهم .