في كتابه الصغير في حجمه والكبير في محتواه وأفكاره، «الوطن والمنفى»، يقول الكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي «1930» إنه يحلم ويتمنى أن يسود ما يسميه توازن الحكايات ليطبع القرن الحادي والعشرين بطابعه أكثر من أي شيء آخر. جزء مما يعنيه أتشيبي الذي يعتبره البعض الأب المؤسس للأدب الأفريقي باللغة الإنجليزية هو ألا يطغى السرد الغربي الذي لا يخلو من نظرة متحيزة وجائرة وبعيدة عن الإنصاف حول أفريقيا على السرد القادم من أفريقيا ذاتها، والذي يقدم وجهة نظر مختلفة ومغايرة وتكاد تكون على النقيض تماماً من السرد الغربي والكتابات الغربية على وجه العموم، التي جعلت من القارة الأفريقية موضوعاً لها. يستعين أتشيبي صاحب الرواية الأفريقية الأشهر ربما «أشياء تتداعى» بكتاب مهم عنوانه «أفريقيا التي لم تكن» والذي تناول فيه مؤلفاه بالبحث أكثر 400 كتاب من القرن السادس عشر حتى القرن العشرين، والذي أظهر أن الطابع الغالب على تلك المؤلفات سواء أكانت روايات أو غير ذلك هو التصوير المفرط في سلبيته لكل ما يمت للقارة الأفريقية ولسكانها الأصليين بصلة. على مدى سنوات طويلة شاعت فيها تجارة العبيد على نطاق واسع في أوروبا وأمريكا الشمالية، ومن ثم لتبرير الإقدام على استعمار أجزاء كبيرة من «القارة المجهولة» فيما بعد حتى انتصاف القرن العشرين حين نالت معظم الدول الأفريقية المستعمرة استقلالها من السيد الأوروبي «المتحضر». ذلك السرد العدائي وتلك الكتابات غير المنصفة كانت بصورة ما بمثابة الذريعة والمبرر لاستعباد أولئك الأفارقة «المتوحشين» على مدى سنوات طويلة شاعت فيها تجارة العبيد على نطاق واسع في أوروبا وأمريكا الشمالية، ومن ثم لتبرير الإقدام على استعمار أجزاء كبيرة من «القارة المجهولة» فيما بعد حتى انتصاف القرن العشرين حين نالت معظم الدول الأفريقية المستعمرة استقلالها من السيد الأوروبي «المتحضر». كان الصوت الروائي الأفريقي غائباً أو مغيباً، وكان الكتاب الأوروبيون المقيمون في هذا البلد الأفريقي أو ذاك- في مفارقة غريبة- هم من يقدمون الرواية «الأفريقية» للعالم إلى أن قرر أتشيبي وثلة من الكتاب الأفارقة الآخرين في النصف الثاني من القرن العشرين أن يقدموا هم لا سواهم على إبراز الصوت الروائي الأفريقي الحقيقي، فكان لهم، شيئاً فشيئاً، ما أرادوا، وكانت روايات أتشيبي وخصوصاً روايته الأولى «أشياء تتداعى» معلماً بارزاً في رصيد الرواية الأفريقية المكتوبة بأقلام أفريقية وليس بأقلام غريبة موسومة بوشم الاستعمار والأفكار النمطية الملازمة له واللصيقة به. لقد تمكن أتشيبي الذي يسميه البعض «صوت أفريقيا» وسواه من الكتاب الأفارقة من استعادة صوتهم المسلوب منهم، ونجحوا في إحداث شيء من التوازن في ميزان الحكايات المختل.