في الثاني من نوفمبر عام 1917م أصدر بلفور البريطاني وعده المشؤوم الذي فيه أعطى «من لا يملك لمن لا يستحق» وطنا ليقيموا فيه دولة إسرائيل في فلسطين قلب العالم العربي فيشردوا أهلها وينتزعوا منهم أرض الآباء والأجداد ويتشرد أهلها ليتجرعوا غصص اللجوء والبعاد وما أفضى إليه من آلام. وهكذا كانت نكبة فلسطين عام 1948م نكبة نكباء تظل سببا لما يعانيه أهلها بل والعرب جميعا من حروب بين الحين والآخر فيتكرر الدمار والقتل والبلاء وتسفك الدماء صباح مساء. وقد تفاعل ضد هذا الوعد المفكرون العرب، ساسة وأدباء، منكرين حجج ودعاوى الخصوم والأعداء ليثبتوا بما لا يدع مجالا للشك أن فلسطين أرض عربية يؤيد هذا التاريخ وما فيه من تراث عظيم وتنطق به كل ذرة من ترابها المجبول بالوفاء. وكلما مرت هذه الذكرى المشؤومة، قفزت إلى ذاكرتي قصيدة عصماء للشاعر القروي، اللبناني المهجري العاشق للعرب وقضيتهم المركزية الأولى. يستهلها مخاطبا بلفور بنبرة عالية تدل على أن الأمر لا يطاق ولن يرضى به عربي حر على الإطلاق: الحق منك ومن وعودك أكبرُ فاحسب حساب الحق يا متجبرُ تعد الوعود وتقتضي إنجازها مهجَ العباد خسئت يا مستعمرُ ويمضي معنّفاِ ومتحديا: عد من تشاء بما يشاء فإنما دعواه خاسرةٌ ووعدك أخسر فلقد نفوز ونحن أضعف أمة وتؤوب مغلوبا وأنت الأقدرُ ويمضي في ذكر مساوئ الاستعمار واستعباده للأحرار: لكم التجارة بالرهينة والرّبا لا أن تبيعوا العالمين وتشتروا مستعبدُ الإنسان عبدٌ للأذى ما أجدر الأحرار أن يتحرروا! ويعنّف بريطانيا صاحبة الوعد المشؤوم: يا ربة الدماء مهما تُكثري عدد السفين فعند ربك أكثر قد بعت مجد الإنجليز لتربحي مال اليهود، نعم هذا المتجر! قصيدة غراء تفيض عشقا ووفاء لأمة الرسالات والأنبياء وتؤكد إخلاص أبنائها النجباء الذين لم يدخروا جهدا للدفاع عنها في الشدة والرخاء بلا اعتبار للصعاب مهما بلغت وللعقبات مهما وصلت. لله درك أيها الشاعر القروي، وأنت تفخر وتباهي بانتمائك العربي وتعتز بأمتك التي أنجبت الأنبياء والعلماء الذين أسسوا حضارة عظيمة أنارت للعالم طريق الحرية والبناء لصروح المعارف في كل الأنحاء بلا كلل أو عناء. وسيظل شعرك يا شاعرنا العروبي العظيم يحفّز الهمم ويوقد العزائم لتصل في مبتغاها إلى القمم، وسيبقى نبراسا متلألئا يبدد ظلام اليأس والملل، لدى أجيال تتطلع للحرية والاستقلال: إن ضاع حقّك لم يضع حقّان لك في نجاد السيف حقٌ ثان ما ضاع حق فتى له زندٌ له كفٌ له سيفٌ له حدّان