منذ اليوم الأول الذي أعلنت فيه المملكة وبقية الدول الداعية لمكافحة الإرهاب في المنطقة إجراءاتها الدبلوماسية والاقتصادية ضد نظام قطر، والعالم يرصد عن كثب ردود الأفعال مع محاولة الاقتراب أكثر وأكثر من واقع الأمر، وهو ما لم يكن بالأمر الصعب، فالمملكة كانت واضحة وصريحة في موقفها منذ البداية، معلنة الأهداف الحقيقية للإجراءات المتخذة ضد نظام «الحمدين» لا الشعب القطري الشقيق. ويدرك كل مهتم بمصلحة أمن واستقرار الخليج أن الإجراءات السيادية من الدول الأربع تأتي في صالحها بالمقام الأول، فما تقوم به الدوحة من إيواء أسماء مدرجة على قوائم الإرهاب الدولي، علاوة على ثبوت دعمها للكثير من الجماعات الإرهابية وتورطها في جرائم متعلقة بزعزعة الأمن الداخلي لدول الجوار، والتدخل في مسائل سيادية، ناهيك عن نقضها كافة الاتفاقيات والمعاهدات الواحدة تلو الأخرى مثل اتفاقي الرياض 2013 - 2014، مستنزفة في مناسبات سابقة كافة الفرص لكي تعود إلى جادة الصواب بعلاقة تهتم بمصلحة البيت الخليجي العربي. إعلام دولي من الطبيعي أن يتفاعل الإعلام الدولي بمختلف توجهاته مع أزمة قطر، بحسابات أنها حادت عن الجادة والتكتل العربي أمام المشروع التوسعي الإيراني، وهو النظام الذي صنفته القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض بأنه الراعي الأول للإرهاب، ولن نتطرق هنا لدور الإعلام الإيراني الذي استغل الأزمة مثله مثل نظامه، وشوه كثيرا من الحقائق كعادته فهي لعبته المفضلة، على خطى الإعلام القطري وسقطاته المتوالية في محاولات يائسة لإنقاذ موقف نظامه وعكس الحقائق وتضليل الرأي العام. ونتوقف هنا مع دور إعلام إحدى أكثر الدول تأثيرا في العالم وأحد الشركاء الرئيسيين للمملكة العربية السعودية، وهو إعلام الولاياتالمتحدة والذي أبرز موقف الرئيس دونالد ترامب، والذي لم يدخر منبرا سواء في خطاباته الرسمية أو التلفزيونية، وحتى موقعه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» معلنا منذ بداية الأزمة أنه يؤيد موقف المملكة وكافة الإجراءات التي تتخذها في سبيل مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، بجانب التشديد على أن قطر متورطة في تمويل الإرهاب، حتى أنه ألمح أن خيار نقل قاعدة العديد الأمريكية هو أمر وارد في حال استمرار الوضع على ما هو عليه. وهذا الموقف تؤيده أفعال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون، وإن اختلفت لهجته، وكذلك المتحدثة باسم الخارجية هيذرن نورت، التي بدت في تصريحاتها أكثر هدوءا من الرئيس ترامب، ولكننا نجد النتيجة واحدة، فالولاياتالمتحدة تدعم شركاءها في مساعيها لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه، وحين نستقرأ موقف الإعلام الأمريكي المتمثل في اثنتين من أهم الفضائيات عطفا على معاييريهما المختلفة وتباين الآراء، تماهيا مع موقف الحزب الذي يمثله أيا منهما، أو حتى الآراء الشخصية لبعض المحللين المختصين. ولكن المتابع لقناتي «فوكس نيوز»، و«سي ان ان» خلال الأشهر القليلة الماضية سيلحظ اختلاف وجهات النظر في مختلف القضايا التي تهم الشارع الأمريكي، وكذلك سياستاهما الاقتصادية والسياسية وغير ذلك، ولكن فيما يخص شأن موقف المملكة والدول الداعية لمكافحة الإرهاب ضد قطر فهناك انسجام في الطرح وتطابق في الرؤى. فوكس نيوز محللو قناة «فوكس نيوز» وعلى رأسهم الدبلوماسي الأمريكي ومدير ادارة التخطيط بالخارجية الأمريكية السابق، دينس روس، أكدوا على أن قطر حاولت أن تلعب دورا مزدوجا بالتغطية على أنشطتها الداعمة للإرهاب، مشيرين إلى أن الولاياتالمتحدة تعلم أن قطر تدعم الجماعات الإرهابية، وتوفر لها التمويل، وتؤوي العديد من الشخصيات المصنفة دوليا كإرهابيين، ناهيك عن علمها والأكيد بأنها توفر «قناة الجزيرة» كمنصة انطلاق للتطرف، بالمقابل نرى أن الدول الأربع تقول إنه حان الوقت لاتخاذ موقف يدعم مكافحة الإرهاب. وشدد روس؛ على ضرورة أن تعمل أمريكا مع الشركاء في الخليج لتجاوز هذه الأزمة، ولكن بصورة تكبح جماح قطر ومنعها من العودة لمثل تلك الممارسات، وأشاروا إلى إعادة النظر في وجود القاعدة الأمريكية في الدوحة، والضغط أكثر على «نظام الحمدين» للاستجابة لكافة مطالب الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب ووقف تمويل ودعم الإرهاب والمتطرفين، وأخيرا جميع محللي «فوكس نيوز» يرون أن رسالة الرئيس الأمريكي واضحة وجلية في هذا الخصوص. سي ان ان في المقابل، ذهب محللو قناة «سي ان ان» إلى التشديد على أن المملكة وضعت نصب أعينها مكافحة الإرهاب كهدف رئيس، بجانب العمل على تحجيم دور الدول الداعمة له في المنطقة. واتفقت الإعلامية الأمريكية المتخصصة في شؤون الجماعات المتطرفة والإرهابية ليزا دفتاري على أن موقف المملكة من النظام القطري يعتبر أمرا طبيعيا؛ كونه يعكس أهم أهدافها وهو مكافحة الإرهاب، ومنع زعزعة استقرار أراضيها وأراضي الدول الشقيقة، لافتين إلى أنه من غير المعقول أن تقف الرياض مكتوفة الأيدي أمام ممارسات الدوحة في تمويل الجماعات المتطرفة، مثل ميليشيا حزب الله اللبنانية وتنظيم جماعة الإخوان المسلمين، بجانب استخدامها لقناة الجزيرة في إثارة الفتن والنزاعات، إضافة لتبنيها للعديد من الآراء المتطرفة. وفي هذا السياق، أكد المحللون أن موقف المملكة والدول الداعية لمكافحة الإرهاب ناتج عن تاريخ طويل من الانزعاج الملموس من ممارسات نظام الدوحة، مشيرين إلى أن هذا لا يخدم سوى مصلحة إيران، بما يتعارض مع مصالح بقية دول الخليج، لافتين إلى مخرجات القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي عقدت في مايو الماضي بالرياض، التي وجدت الدعم والتأييد من خادم الحرمين الشريفين والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مؤكدين ان النظام الإيراني هو المستفيد الأول من أجندة الدوحة، وممارساتها؛ كونه الراعي الرئيس للإرهاب في الشرق الأوسط.