لا نختلف على أن سوق العمل السعودي فيه تشوّهات عديدة تراكمت لسنوات، ويحتاج لإصلاحات كثيرة، ولا نختلف بأن وزارة العمل تسعى لتطويره ومعالجة تشوهاته، وما زالت معدلات البطالة بدون أي تحسين يُذكر حتى الآن وفقًا للإحصائيات الرسمية للهيئة العامة للإحصاء، وهذا الناتج لا تتحمّله وزارة العمل بشكل مفرد، ولكنّ لها دورًا أساسيًّا من خلال إستراتيجياتها التي يتم تطبيقها على القطاع الخاص، وأهم إستراتيجية للوزارة تكمن في نجاح تحقيقها هدفها الإستراتيجي الثامن في برنامج التحوّل الوطني والمعني بتوفير فرص عمل لائقة للمواطن. في هذا المقال سأتحدث عن التقسيم النوعي للوظائف، ونجد أن هناك اختلافًا في التقسيمات والمسمّيات من اقتصاد لاقتصاد، والسبب الرئيسي يرجع إلى الأنظمة والقوانين ومتانة الاقتصاد، بالإضافة إلى تكوين وظائف القطاعَين العام والخاص، ومن وجهة نظري الشخصية أرى أنه حتى ننجح في التعامل مع قضية البطالة ينبغي التعامل مع كل تقسيم بانفراد، ووضع مؤشرات أداء لكل منها، ويتم تطويرها دوريًّا، حتى تكون الصورة أوضح بشكل أكبر في تطوير سوق العمل السعودي، وعدم الاكتفاء بمؤشر عام لمعدل البطالة. في سوق العمل السعودي، من المهم أن تكون هناك تفرقة في التعامل مع تقسيمات الوظائف، وألا نضغط على تقسيم معيّن ونتجاهل التقسيمات الأخرى، والحلول لا يمكن أن تنصب في تقسيم واحد دون العمل على التقسيمات الأخرى، ومن اطلاعي على سوق العمل السعودي في السنوات السابقة يتضح لي أنه من المهم أن تكون هناك تفرقة بين «الوظائف التكميلية، الوظائف التطويرية، الوظائف المؤقتة، وظائف زيادة الدخل، والوظائف عن بُعد»، وإذا لم نفرق بينها فسيكون هناك خلل في سوق العمل، ولن ننجح في التعامل مع قضية البطالة بتخفيضها للمستويات المستهدفة، وسيصعب التعامل مع المستجدين لسوق العمل. وحتى تتضح الرؤية في الفرق بين تلك الوظائف، من المهم أن يكون تعريفها واضحًا عند التخطيط للتعامل مع قضية البطالة، فعلى سبيل المثال «الوظائف التكميلية» هي الوظائف التي تكون بالغالب متدنية الأجر، ولا يوجد لها مسار وظيفي واضح ولا تحتاج لمؤهلات ومهارات متقنة لشغلها، وقد تقضي عليها الأتمتة بشكل سريع، ولذلك نجد عدم الاستقرار فيها، و«الوظائف التطويرية» هي الوظائف التي لها مسار وظيفي واضح، وتتيح لشاغلها الانتقال لمسار أعلى بالترقيات وما شابهها، وتحتاج لمؤهلات ومهارات مسبقة، و«الوظائف المؤقتة» هي الوظائف التي تكون في الغالب مستهدفة لفترة زمنية قصيرة، وليس بالشرط أن يكون شاغلها يحمل مؤهلات عالية، و«وظائف زيادة الدخل» هي الوظائف التي يستهدفها الشخص لزيادة دخله، وذلك بالعمل لساعات معيّنة عند الغير أو لحسابه الشخصي إذا كان يملك مهارات معينة يحتاجها السوق، أما بالنسبة «للوظائف عن بُعد» فهي الوظائف التي لا تحتاج لتواجد في مقر العمل، ويمكن إنجازها في البيت من خلال استخدام التكنولوجيا. ودائمًا عندما أطالب في التفرقة بين نوعية الوظائف، أجد أغلب الردود تنصب في أن العمل الشريف ليس بعيب، وأنا أتفق مع أن كل عمل شريف لا عيب فيه، ولكن أختلف مع نوعية الوظائف؛ لأن نظرتي عند التعامل مع المتعطلين هي نظرة التعامل مع ثروة بشرية، وليس مجرد متعطلين عن العمل، وذكرت سابقًا أنني لا أطالب بأن يكون جميع السعوديين دكاترة ومديرين ورؤساء أقسام، ولكن أتمنى أن يتم التركيز على الوظائف التطويرية قبل غيرها، والعمل على باقي التقسيمات بمرونة عالية؛ مما يؤدي لزيادة التراكم المعرفي في سوق العمل السعودي للثروة البشرية. ختامًا.. نحن في اقتصاد لا يوجد فيه حد أدنى للأجور، ومن الصعب تطبيق الحد الأدنى للأجور فيه بالوقت الحالي؛ لأن الأقلية في سوق العمل هي للعمالة السعودية، وتركيبة السوق معتمدة على العمالة متدنية الأجر، ومن أسباب ذلك تأخرنا في التعامل مع التكنولوجيا، وهذا هو سبب اختلافي مع العديد ممن يطالبون بتوظيف المتعطلين في أي وظيفة بغض النظر عن نوعها بالسوق، بالإضافة لاختلافي مع بعض توجّهات التوطين الأخيرة.