جاء في تقرير الاقتصاد السعودي للعام 2014 م الذي يصدر عن وزارة الاقتصاد والتخطيط أن سوق العمل غير قادر بوضعه الحالي على استيعاب العمالة الوطنية الماهرة بسبب نوعية الوظائف التي وفرها الاقتصاد خلال السنوات الماضية بحسب ما يمكن فهمه من محتوى التقرير الذي تناول كافة جوانب الاقتصاد المحلي ومن بينها واقع سوق العمل والقوى العاملة فيه. ورغم أن ما جاء بالتقرير يتطابق تماما مع كل ما طرح من آراء متعددة حول سوق العمل وأنه يستوعب أعدادا كبيرة من الشباب والشابات كعدد إلا أن الوظائف التي يتحصلون عليها تفتقر للنوعية المناسبة لما يحملونه من مؤهلات إلا أنه يظهر التباين الواضح مع رؤية وإجراءات وزارة العمل التي قالت قبل أيام بتصريحات لمسئوليها أنه تم توظيف 900 ألف من المواطنين خلال آخر ثلاثة أعوام لأن وزارة الاقتصاد ترى بتقريرها أن جل الوظائف لا تحتاج لعمالة ماهرة وأن إحلال الشباب السعودي على تلك الوظائف وهو ما تنتهجه وزارة العمل حاليا يعد هدرا لرأس المال البشري؛ فنسبة السعوديين العاملين بالقطاع الخاص ممن يحملون مؤهلات فوق الثانوي تصل إلى 44 بالمئة ومع وجود نسبة تصل إلى 55 بالمئة من المسجلين بمؤسسات التأمينات الاجتماعية من السعوديين ممن رواتبهم أقل من 3500 ريال شهريا يتضح الحجم الكبير للوظائف المتدنية المتطلبات والدخل. وبما أن التقرير شدد على رفع كفاءة الاقتصاد لجذب الاستثمارات وتنوع الأنشطة لتوفير فرص عمل مناسبة كون الأعداد القادمة لسوق العمل خصوصا من الجامعيين كبيرة سنويا فإن الصورة تتضح تماما بأن ما يتم حاليا من سياسات إحلال للمواطنين مكان الوافدين على وظائف بسيطة لا تحمل أي افق لشاغلها من حيث الخبرة الواسعة والتطور الطبيعي لمستقبل الوظيفة بما يتلاءم مع طموحات شاغلها خصوصا المؤهلين بشهادات جامعية أو دبلومات لن تستمر كسياسة فاعلة حاليا بزيادة التوظيف دون حل حقيقي لمشكلة البطالة من جذورها. بل الملفت أن وزارة الاقتصاد والتخطيط التي تشرف على وضع خطط التنمية كانت اخر خططها التاسعة تستهدف خفض البطالة إلى مستوى 5.5 بالمئة من مستوى 9.6 بالمئة عند بداية العمل بالخطة عام 2010 م بينما النتيجة كانت بنهاية الخطة ارتفاع بمعدلات البطالة الى 11.7 بالمئة مما يوضح أن كفاءة الاقتصاد من حيث زيادة فرص العمل ونوعيتها لم تكن بالمستوى المطلوب وبما يتلاءم مع الخطة التي يفترض انها الأساس لكل حراك الاقتصاد الوطني في مدة خمس سنوات وبما أن الرؤية متباينة بين وزارتي الخطيط والعمل حول أداء السوق وما يحدث به من تطورات بتوظيف المواطنين فإن الحاجة أصبحت ماسة جدا لأن يكون التنسيق بين الوزارتين على مستوى عال ومختلف عن الحالي تماما فاستمرار زيادة التوظيف بالإحلال قديكون نظريا ناجح لكنه سيبدأ بإظهار إشكاليات واسعة قد تبدد جزءا كبيرا مما تحقق من حيث كم التوظيف إذ سيعود عدد مؤثر لمربع البطالة من جديد في حال أن هذه القطاعات التي توظفهم بدأ نشاطها ينخفض كون أغلب الأعداد من المشتغلين تتركز بقطاعين هما التشييد والتجزئة وهي قطاعات متذبذبة الأداء من حيث الاستقرار الوظيفي هذا بخلاف ما ظهر من تشوهات كالسعودة الوهمية فالإمكانية لتحقيق التوافق حول الاتجاه لحلول إيجابية لسوق العمل بين الوزارتين كبيرة بما أن وزير الاقتصاد حاليا كان قبل فترة قصيرة جدا وزيرا للعمل وقد يكون ما تضمنه التقرير المشار إليه بداية لتصحيح مسار سوق العمل ودعمه بحلول تعتمد على رفع كفاءة الاقتصاد. تقرير الاقتصاد الوطني عن العام الماضي يدق جرس الإنذار حول إتجاهات سوق العمل والهدر برأس المال البشري الذي انفق على تعليمه وتدريبه مئات المليارات خلال آخر عشر سنوات ويوضح ضعف أداء قطاعات حكومية معنية بتوسيع الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد عبر تيسير جذب رؤوس الاموال لتوفير فرص العمل بالقطاع الخاص بالقطاعات الحيوية التي نحتاج التوسع بها كالصناعة والخدمات والتي يمكن لها أن تحقق كما كبيرا من الوظائف بجودة ونوعية عاليتين تتناسب مع مؤهلات الشباب الوطني وتلبي طموحاتهم بالخبرات والدخل الملائم.