تعاني الكثير من المجتمعات من بعض الظواهر السلبية المختلفة: كالتفكك الأسري، ارتفاع معدلات الجريمة، انحراف الأحداث، الطلاق، البطالة، والتسول، وكما هو معروف فإن كثيرا من الظواهر تظل بسيطة وكامنة، أما إذا انتشرت وتطورت أصبحت تشكل خطورة على المجتمع وهددت أمنه واستقراره وانعكست بآثار سلبية عليه، فإنها تصبح مشكلة يجب التصدي لها ومواجهتها، ومثال ذلك: ظاهرة التسول التي هي محور الحديث في هذا البحث. يعتبر التسول آفة من أكثر الآفات الاجتماعية التي تثير الفوضى وتسيء للمظهر الاجتماعي العام للمجتمع، وخاصة في المجتمعات التي توفر الخدمات والرعاية وتعمل دائما على تحسين مستويات معيشتهم، ونظرا لأن المتسولين أصبحوا متمثلين لطريقة حياتهم ومتكيفين مع الدور الذي يلعبونه في المجتمع والذي يساعد على تشكيل اتجاهاتهم نحو الناس وطريقة الحياة ونوع النشاط المرغوب، بحيث لم يعد من السهل تغيير اتجاهاتهم كما أنهم ينقلون أنماط حياتهم لبعضهم ولأبنائهم في سياق عمليات تفاعلهم الاجتماعي مع الآخرين، وتنشئتهم لأبنائهم، ويُعد التسول مشكلة شديدة التعقيد وعلى المجتمع أن يوجد الحلول المناسبة التي تساعد على الحد من انتشاره. فالتسول آفة اجتماعية لا يمكن أن نتجاهل ما بينها وبين الفقر، باعتبارها إفرازا للأوضاع الهيكلية في النظام الاجتماعي، التي تساعد على عدم المساواة. ففي القديم كان التسول حكرا على فئة معينة من المجتمع، أما اليوم فقد تفشت هذه الظاهرة، في موازاة تفاقم حدة الاتكالية.