إنها مهارة ضرورية في حياتنا اليومية حيثما كنّا، فمسؤوليتنا تجاه أولادنا نفتقد فيها طريقة التأثير في أولادنا المراهقين وفي علاقتنا الزوجية نفتش عن أسلوب ينهي حالة الرفض والعناد في شريك العمر، وفي التجارة تعوزنا وسائل ترويج السلع وبيع المنتجات، وفي عالم الإدارة والسياسة نتطلع إلى سر كسب جولات التفاوض حول الاتفاقات والبرامج، وكذلك الدعاة والمربون والإعلاميون والباحثون كلهم تعنيهم اكتساب تلك المهارة للنجاح في مهامهم.. إنها مهارة الإقناع Persuasion، وهي عملية تغيير أو تعزيز المواقف، أو المعقدات أو السلوك لدى الآخرين. كثير منا قد يلجأ إلى أسلوب الإكراه والضغط أو الإغراء أو التوسل أو الترهيب لفرض أفكاره دون جدوى، أما الإقناع فهو يقود إلى التغيير بيسر ورضا ويحافظ في الوقت ذاته على الود والألفة. الإقناع مهارة حياتية يتعلّمها الإنسان، ومثل أي مهارة، يمكن للمرء أن يتحسن فيها من خلال التعلّم والتدريب والممارسة. وتتنوع وسائل الإقناع معظم الأحيان من موقف إلى آخر، مع ذلك تبقى هنالك مبادئ أساسية تنطبق على عدد كبير من أوضاع الإقناع، أكان شفهيّاً أم كتابيّاً، وعندما تستخدم بحكمة فسيزيد احتمال النجاح في مسعى الإقناع. تأكد من توافر هذه المبادئ قبل مباشرة عملية الإقناع: 1- مبدأ المعرفة: كوّن معلومات حول أثر تطبيق الرأي المقترح على المصالح من خلال الأرقام والبيانات. 2- مبدأ البرهان: حضّر الأدلة والمسوغات التي تقوي رأيك، يقول روبرت سيالديني Robert b. cialdini في كتابه «التأثير: علم نفس الإقناع» إن «البرهان والحجة الاجتماعية واحدة من التقنيات التي تدفع الناس لتقاسم وجهة نظرك». 3- مبدأ الطريقة: اطرح الوسائل الميسرة التي تعين على تطبيق الفكرة؛ فقبول الرأي الاقتراح مرهون ببيان طريقة عملية لتنفيذه. 4- مبدأ الثقة: احرص على الصدق والصراحة، فهي مفاتيح الإقناع الفعال. فلا أحد يحب الأشخاص الكاذبين أو المراوغين، أما الصادقون فالناس تميل إليهم لشعورهم بالثقة تجاههم. 5- مبدأ المودة: المودة وعلاقة الألفة: ابن جسور الألفة، والتودد يسهل علينا قبول الافكار التي تطرح من قبل شخص تربطنا به علاقة حب وصداقة. وعند ذلك باشر فن الإقناع من خلال تلك الإرشادات العشرة التي كتبها مايكل لي «Michele Lee» مؤلف كتاب «كيف تحترف فن الإقناع في 20 يومًا أو أقل»، وألخص هذه الإرشادات فيما يلي: 1. ابدأ بإنجاز المهمة: لكي تضمن اقتناع الآخرين بدورهم في إنجاز المهمات، ابدأ أنت في إنجازها ثم اعهد إليهم بإتمامها، وهذه الخطوة تستفيد من تأثير النموذج والقدوة. 2. اطلب من الشخص أن يتخيل النتائج، واجعله يتخيل كيف سيكون الحال إذا ما وافق على إنجاز هذه المهمة ومدى المعاناة التي سيتكبدها إذا ما رفض القيام بها. 3. أشعِره بعواقب الخسارة: قم بتوضيح حجم الخسائر عند رفض الفكرة والاستجابة لها. 4. قدم العون والمساعدة: إن المبادرة بتقديم يد العون والمساعدة للآخرين يدفعهم إلى قبول المشاركة. 5. وفر بدائل: اطرح مهمة ذات مواصفات أعلى، فإذا لم يكن بمقدور الشخص القيام بها، فقدم له خيارا آخر ميسرا يمكنه إنجازه. 6. كن مرحا، اجعل البسمة جسرا للتواصل والتفاهم بينكم، وهذا يسهل استيعابهم لأفكارك. 7. خاطب بضمير الجمع «نحن» بدلاً من المفرد «أنا»، وستكون أكثر إقناعًا وتلزم الآخرين بمشاركتك في المهمة التي تتحدث معهم بشأنها. 8. حفّز على استمرار الإنجازات الجيدة: من خلال المداومة على العمل، وفي الحديث «خَيْرَ العمل أدومُه وإنْ قَلَّ» [سنن ابن ماجة] 9. اختر التوقيت المناسب لعرض المقترح. أوضح نموذج في الإقناع هو ما قدمه النبي، صلى الله عليه وسلم، مع الشاب الذي جاء إليه قائلا: ائذن لي في الزنا!! فما زجره ولا سبه ولا عاقبه مع أن الناس ضجوا من جرأة الشاب، وباشر النبي، صلى الله عليه وسلم، مع الشاب الوسائل التالية: الأول: التودد بتقريب المسافة بينه وبين الشاب، وهذا أول ما فعله الرسول، صلى الله عليه وسلم، حيث قال له: «ادن.. اقترب». الثاني: استخدام البرهان الاجتماعي: «أترضاه لأمك.. أترضاه لأختك».. والشاب يرد: «لا، لا»، ولم يستخدم، صلى الله عليه وسلم، هنا لغة إصدار الأحكام والأوامر والتحذيرات. الثالث: التعاطف الوجداني، بلمسة حانية، حيث وضع يده عليه، وقال: «اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه». [أخرجه أحمد]. ليس انتصاراً أن تفرض رأيك، الانتصار الحقيقي أن تقنع الآخرين بصواب رأيك بقوة الدليل وليس بدليل القوة.