تظهر «محادثات الأستانة» المرتقبة تداعياً مبكراً، يشي بعجزها عن «ردع الموت» في سوريا، التي تستبق فيها «عصابة بشار الأسد» أية «أفق وطني»، عبر ترسيخها «الاختطاف الإيراني - الروسي» للدولة والوطن والشعب، وضمن إستراتيجية واضحة غايتها القضاء على «الإرادة الوطنية السورية». الاستعدادات ل «محادثات الأستانة»، التي تنطلق الإثنين في عاصمة كازاخستان، تكشف تباينا حاداً بين أطراف الصراع السوري، يمتد حتى جوهر «الأجندة التفاوضية» لوفدي «عصابة الأسد» و«المعارضة السورية»، وكذلك يشمل غايات وأهداف الراعي الروسي والطرفين التركي والإيراني. «عصابة الأسد» استبقت مختلف الأطراف بحديثها عن «حل شامل» يُفضي إلى استعادتها ل «الهيمنة» على سوريا، بعيداً عن مجمل الحقائق المتشكلة خلال سنوات الثورة الست، ووظّفت في سبيل ذلك «الموافقة الكاملة» -قبيل «محادثات الاستانة»- على «الاختطاف الروسي - الإيراني» للسيادة الوطنية. نخبة القرار في «عصابة الأسد» أدركت مبكرا أن مواصلة القتل في سوريا لن تفضي إلى استمرارها في الحكم، ما استدعى استدراكات مرتبكة، تمظهرت في «منظومة الاتفاقات»، التي عقدتها مع الإيرانيين أخيراً، ومن قبلهم الروس. في المقابل، توقفت «المعارضة السورية»، في رؤيتها للمأمول من «محادثات الاستانة»، عند نقطة مركزية، مفادها «تثبيت الهدنة»، التي أقرت في 29 ديسمبر الفائت، باعتبارها الغاية النهائية المقبولة ل «التفرد الروسي» في الصراع الدائر. موقف «المعارضة السورية»، على علات «الهدنة»، يُظهر وعياً أعمق بالحالة الوطنية، خاصة انه ينظر إلى «الاستانة» باعتبارها «محطة مؤقتة»، يمكن خلالها «توضيب بيت المعارضة»، و«تثبيت الواقع الميداني»، ومن ثم الاستعداد للانتقال إلى «الحاضنة الدولية» مجددا، وهو ما يظهر جلياً في تصريحات قادة فصائل المعارضة المشاركة. في قبول «المعارضة» ل «التفرد الروسي» في «الاستانة»، رغم خطورته البائنة، ثمة حكمة حقيقية، ف «عصابة الأسد»، وفق تصريحات المسؤولين الروس، كانت على شفير الهزيمة، رغم الدعم الإيراني الشامل الذي حظيت به، فيما جاء التدخل الروسي ليقلب المعادلة الميدانية بشكل سافر. وبالتالي، فإن قبول المعارضة بتفرد روسيا في «الاستانة» يأتي كمحاولة لتحييد ثقلها العسكري بتثبيت «الهدنة»، التي تدرك مختلف الأطراف أنها «هدنة هشة» وعاجزة عن التأثيث لتسوية سياسية شاملة. في المقابل، فإن العودة إلى «الحاضنة الدولية»، المتمثلة في «مقررات جنيف»، تشكل عملياً مركزا معتدلاً قادرا -إلى حد ما- على التجاوب مع الطموحات الوطنية السورية، المتمثلة في تغيير سياسي شامل يعيد إلى السوريين دولتهم الوطنية دون وصايات أو احتلالات. التباين الصارخ بين أجندتي «عصابة الأسد» و«المعارضة السورية» يجد انعكاسات متباينة أيضا لدى الأطراف الراعية أو المشاركة في «محادثات الاستانة»، فبالنسبة للروس لا بد من «قطاف سياسي» بعد «انتصار حلب» الوهمي، دون أن يشكل هذا مساساً بجوهر وغايات «الوجود» أو «الاحتلال» الروسي، الذي استطاع تمكين «زبانيته» في نخبة القرار داخل «عصابة الأسد». وينسحب الأمر ذاته على الإيرانيين، الذين ينظرون إلى سوريا باعتبارها حلقة رئيسة في «هلال ميليشيوي» يطوق شمال المشرق العربي، ويمكّنهم من نافذة على البحر الأبيض المتوسط، فيما عمليا يتجذر وجودهم أو احتلالهم لسوريا عبر منظومتين عسكرية، تتمثل في «الميليشيات العصبوية»، ومدنية ظهرت في الاتفاقات الأخيرة. الطرف التركي يحمل أجندة مختلفة، تتخذ فيها المصلحة الوطنية السورية موقعا مركزيا، دون أن تغيب عنها المصالح الوطنية التركية، التي تأثرت عميقا بما يجري، بيد أن تأثير تركيا على مجريات «الاستانة» سيظل محدودا في الجانب العسكري، خاصة أن مرجعيات المعارضة متعددة ومتشابكة، ويصعب على طرف بعينه تمثيلها أو اختزالها في عدة فصائل مشاركة في المحادثات. البيئة الحاضنة ل «محادثات الاستانة» تنبئ بالمتوقع، الذي لن يتجاوز حدودا ضئيلة للغاية مقارنة بما يتطلع إليه الشعب السوري، سواء ذلك الرهين لدى «عصابة الأسد»، أو المنتشر في مناطق سيطرة «المعارضة»، فضلا عن نحو عشرة ملايين سوري يتوزعون على الجوار الإقليمي ودول العالم بوصفهم لاجئين. وبينما يظل الحلم ب «ردع الموت» حاضرا، فإن «الاستانة» ومَنْ يشارك فيها عاجز عن تخليق مقاربة شاملة للوضع السوري، لتبقى الأفق محصورة في «تجميد الصراع» دون حسمه.