حقاً، إنه أمر غريب يثير الدهشة والعجب، وحالة تملأ النفوس بالحسرة والندم.. كم كنا نحلم أن يلتئم شمل العرب في كيان قوي له بأس يحسب حسابه كل الأمم.. لكن أن تصبح أرض العرب ملعبا تتبارى فيه وتتنافس قوى لا هم لها إلا مصالحها الخاصة، وليذهب ما عداها إلى العدم.. فهذا لم يكن يدور في الحسبان.. وهذا ما نشهده في أبشع صوره في الموصل وحلب، إذ تقاطرت قوافل الأعداء من كافة الأنحاء لتحقق أحلامها في الاستحواذ على الثروات وكبت الحريات ونشر الخصام والقتال بين السكان ليعيشوا في بحر لا ينتهي من الأحزان بعيدا عن تحقيق الآمال والأحلام. الموصل وحلب جبهتان حاميتان، توافدت إليهما عصابات وتقاطرت جماعات تدفعها الأحقاد على أمة الأمجاد، وكل همهم أن يحققوا أحلامهم بالسيطرة على الوطن العربي الزاخر بالخيرات وذي الموقع الهام في ملتقى القارات. لم يكن اتفاقهم على الموصل وحلب اعتباطيا بل كان نابعا ومنطلقا من أهمية تاريخية عظيمة لهما؛ إذ ظلتا على مدى التاريخ ثغرين مهمين على تخوم الشرق والغرب وتقاطر عليهما كل طالبي المجد والرفعة. ولفد انتهز أعداؤنا الفرصة لينقضوا عليهما من الشرق والغرب، فأصبحتا مرتعا لعصابات تكيد للعرب بسبب وبلا سبب.. وهكذا تتسع هوة الخلاف وتزداد الأمور حلكة وظلاما حيرت العقلاء وأدهشت الحكماء. كل يوم ومنذ بدء القنال، تدمير وقتل وحرق وهدم، ودماء خضبت السهول والجبال فأحالت الخضرة النضرة إلى حمرة منفرة تقشعر لها الأبدان وترتعد لها الفرائص في كل آن. لم يدخر الأعداء جهدا ولم يتركوا وسيلة للنيل من مكانة هذه الأمة العظيمة إلا واستخدموها ما دامت تبطش بأمتنا ومقدراتها وتنال من آمالها في حياة سعيدة ومستقبل زاهر. ومن هنا يجب على العرب أن يستعدوا، وأن يشمروا عن سواعدهم تاركين خلف ظهورهم كل أسباب الخلاف التي تشغلهم عن مواجهة أعدائهم حيثما كانوا. إن معارك الموصل وحلب، يجب تجنيد كل الطاقات فيها لكبح جماح الأعداء قبل أن يستفحل الداء ويعز الدواء. لا تتهاونوا ولا تتقاعسوا، واتعظوا بما مر في التاريخ، فالحياة صراع والبقاء للأقوى. ولا تسمحوا للمتربصين بكم أن يتمكنوا من السيطرة وإحكام قبضتهم وإلا بكيناهما كما بكينا فلسطين.. وحققوا أمانيهم وأطماعهم اللامحدودة.. من باب خلا لك الجو فبيضي واصفري..!! كفى.. كفى.. يا عرب.. يا أمة السيف والقلم.. قد مللنا البكاء فغارت العيون وجفت الدموع.. وحان النزال والنضال.. وهذا أوان الشد فاشتدي زيم!!