هل سيأتي وقت، أو هل جاء الوقت الذي نشعر فيه بالحنين إلى زمن ما قبل ما سمي بالربيع العربي؟ كان الربيع العربي أشبه بالحلم الذي طال انتظاره، الذي جاء على حين غرة، ودون مقدمات تبشر به أو تعدنا له. العالم العربي كان بائساً قبل الربيع العربي بكل تأكيد، ولكنه الآن يبدو أكثر بؤساً، والمستقبل القريب ينذر بقادم أكثر بؤساً وسوداوية. وليس علينا لنتأكد من ذلك إلا أن نحيل الطرف على امتداد خارطة العالم العربي من مشرقه حتى مغربه ومن أقصى شماله إلى أقصى جنوبه. ما يحدث الآن في سورياوالعراق وليبيا واليمن وفي مناطق أخرى تنذر بالتفجر في أية لحظة، أمثلة أكثر من كافية تدل على ما نتحدث عنه وما نعنيه. صحيح أن الربيع العربي أطاح بعد عقود طويلة بديكتاتوريات وحكومات قمعية ظلت رازحة فوق صدور مواطني أكثر من بلد عربي، إلا أن هذا الربيع ذاته أيضاً كشف النقاب عن مواطن القبح التي كانت مستترة وكامنة بشكل أو بآخر بين ظهرانينا، وأطلق العنان لعديد من القوى الظلامية التي تريد أن تعود بعجلة الزمن إلى أكثر من ألف عام، متوهمة أنها تمثل الصورة الصحيحة غير المشوهة أو المحرفة أو المهادنة من الإسلام الصحيح. وليس هناك من مثال أكثر بروزاً وأوضح تمثيلاً لتلك القوى الظلامية الآن من داعش والداعشيين الذين استغلوا حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في سورياوالعراق ليفرضوا سيطرتهم على مناطق واسعة منهما، بل ويعلنوا «دولة الخلافة» التي يحلمون ويسعون لتحقيقها في أرض الواقع. وكلنا بتنا نعرف ما تعنيه داعش وما التصق باسمها من جرائم وبشاعات وفظائع تقشعر منها الأبدان، وما من حاجة للتذكير بها. ولكن هناك جريمة كبرى ارتكبتها داعش مؤخرا في حق مسيحيي الموصل التي تمكنت من السيطرة عليها مؤخراً، تلك الجريمة لم تنل ما تستحقه من تسليط الضوء عليها والتنديد بها وقرع الأجراس للإشارة إلى ما تمثله من خطورة. لقد كان أمراً مشيناً ومخزياً ما فعلته داعش في حق سكان الموصل من المسيحيين من الاستيلاء على ممتلكاتهم وبيوتهم وإجلائهم عنها، وهم الذين كانوا متعايشين في سلام ووئام مع بقية أطياف المجتمع العراقي لمئات السنين، حتى ما قبل الرسالة المحمدية التي يزعم هؤلاء السفاحون القتلة أنهم هم الممثلون «الشرعيون» لها. تصادفت مأساة طرد مسيحيي الموصل من مدينتهم مع قراءتي للرواية البديعة «يا مريم» للروائي العراقي سنان أنطون. تتقاطع أحداث الرواية بشكل أو بآخر مع ما يجري الآن وتوظف حادثة هجوم متطرفين إسلاميين على كنيسة النجاة في بغداد عام 2010م، التي ذهب ضحيتها العشرات من القتلى. تقدم شخصيتا الرواية الرئيسيان، يوسف الطاعن في السن ومها الشابة، وجهتا نظر على طرفي النقيض حيال ما يواجهه المسيحيون في العراق من مضايقات وسوء معاملة وظن واضطهاد من قبل المتطرفين؛ فيوسف يرى أن ذلك أمر عابر وستعود الأمور كما كانت، ومها متشائمة وتسعى للخروج من العراق متى ما سنحت لها الفرصة. ينتهي الأمر بيوسف ليكون أحد ضحايا الهجوم على الكنيسة، وتكاد مها أن تفقد حياتها أيضاً في ذلك الهجوم، فهل كانت محقة في تشاؤمها؟ أترك الجواب لكم.