قمة مجلس التعاون الأخيرة في البحرين أكدت من جديد قدرة المجلس على توسيع مجالات عمله ومصالحه، فقد أكد زعماء دول المجلس أنهم على مستوى التحديات، وأنهم قادرون على جعل التجربة رائدة، وتقود الشعوب إلى تكريس مصالحها المصيرية المشتركة. أبرز ما حملته القمة الأخيرة، هو دعوة المملكة المتحدة لتكون شريكا إستراتيجيا في مسيرة دول المجلس، وفي هذه الشراكة مصلحة كبرى للطرفين على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، فالمملكة المتحدة ما زالت في قائمة الدول العظمى المحركة لمسار الأحداث في العالم، وهي الوسيط القادر على موازنة المصالح بين طرفي الأطلسي أمريكا وأوروبا، وهي الأعرف أيضا بالمنطقة والقادرة على الوقوف أمام المشروع الإيراني التخريبي.. إذا أرادت. والآن الظروف السياسية والاقتصادية العالمية والإقليمية تهيئ الفرصة لنجاح الشراكة بين بريطانيا ودول الخليج، فكل طرف يحتاج الآخر. بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي تحتاج الشراكة التجارية التي تفتح الأسواق لخدماتها وصادراتها، ودول مجلس التعاون لديها الاقتصاد المتنامي ولديها الأسواق الاستهلاكية المتوسعة، ولديها الثروات الطبيعية الأساسية، ولديها الاستثمارات الخليجية المستوطنة في بريطانيا، وتبحث عن التوسع وتحتاج الاطمئنان. أيضا دول الخليج لديها الموقع الجغرافي الإستراتيجي الناقل للبشر والسلع، وبريطانيا في القرنين الماضيين هيمنت على المنطقة وقادت اللعبة الكبرى حماية لممراتها التجارية بين الهند وبين أوروبا، لذا هي أول من يعرف الأهمية الإستراتيجية الجغرافية التي يمكن استثمارها عبر الشراكة التي تقوم على المصالح المشتركة الإيجابية للطرفين، وهذا مهم في الحقبة المقبلة مع توجه الصين لبناء (طريق الحرير) الجديد. هذه النقلة الجديدة في الاداء السياسي لدول مجلس التعاون نتمنى تفعيلها عبر آليات وفرق عمل بين الطرفين، فالمبادرة البريطانية تؤكد مدى الحيوية والأهمية السياسية والاقتصادية لدول المجلس، وخطوة تقدم الدليل العملي على عمق الاستقرار السياسي في الخليج الذي تتضح الآن أهميته للاستقرار العالمي وليس فقط للمنطقة، ولعل هذه القناعة المتجددة تأخذ المجتمع الدولي، بقيادة المملكة المتحدة، إلى ايقاف العبث والتخريب الذي يتبناه نظام الملالي الإيراني المدمر لمصالح الشعب الإيراني ولمصالحنا. بريطانيا تعود للمنطقة بقوة عبر المشروع الكبير؛ لأنها كما قالت رئيسة الوزراء تريزا ماي في كلمتها أمام القمة (تعود إلى الأصدقاء القدامى)، وهذا الوفاء لا بد أن يقابل بالوفاء والعرفان.. وكل الذي ترجوه شعوب المنطقة هو الأصدقاء الأوفياء الحكماء الذين لديهم النية الصادقة لإخراج المنطقة من أزمتها الكبرى وحروبها المستمرة، فدائرة العنف في المنطقة تجاوزت مخاطرها وأضرارها إلى العالم أجمع. نتمنى أن تستطيع الحكومة البريطانية الوقوف في منطقة الحياد الإيجابي من قضايا المنطقة، فالانحياز البريطاني السلبي والأعمى إلى الموقف الأمريكي في مشروع احتلال العراق ساهم في حالة الفوضى القائمة الآن، وضرره لحق أمريكاوبريطانيا والمنطقة، وهذا ما أقرته نتائج التحقيقات التي جاءت في تقرير لجنة تشيلكوت الشهير، الذي أوضح أن رئيس الوزراء بلير انقاد إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بصورة أضرت بمصالح بريطانيا، وأوجدت الفوضى التي أنتجت داعش وجماعات الحشد الشعبي العراقية الإرهابية. الذي نرجوه أن تكون بريطانيا جادة وصادقة في حلفها الجديد مع الأصدقاء القدامى، فهي الكاسب الأكبر من مشروع التحالف، ونقول أخيراً: قد أفلحت إن صدقت!