ينبغي الاتفاق –من حيث المبدأ– على أهمية وضرورة استمرار العلاقات السعودية-الأميركية قوية ومتماسكة ومتطورة؛ لأن في ذلك مصلحة حقيقية وبعيدة لكلا البلدين، بصرف النظر عن التفاصيل الدقيقة التي تحيط بها أو تشهدها وتُعطي الانطباع بأن هناك اختلافاً "عارضاً" بينهما، فذلك شيء طبيعي ووارد في علاقات الدول تبعاً لطبيعة الأحداث والتطورات التي تفرز شيئاً من الاختلاف بين وقت وآخر. لا تحالف مع من صنعوا الإرهاب.. واستخدموه لخدمة أجندتهم أو الإبقاء على أنظمتهم الفاسدة ومن هنا تجيء أهمية اللقاءات المباشرة والشفافة لتحقيق المزيد من القوة لهذه العلاقات.. وإزالة كل العقبات التي تعترض نموها وتحد من إيجابياتها.. وأكاد أجزم بأنه ليس صحيحاً أن هذه العلاقة التاريخية والمفصلية مهددة بالانهيار.. وأن كلاً من البلدين بدأ يعمل على الاستغناء عن الآخر والبحث عن بدائل مضمونة تكفل استمرار مصالح الطرفين. ولا يعني هذا أن البلدين –الآن– على وفاق تام في مجمل تفاصيل هذه العلاقة أيضاً، لكن المبالغة في تصوير تفاوت وجهات النظر في بعض الأمور كشف لنا – نحن في المملكة العربية السعودية وللأصدقاء في الولاياتالمتحدة الأميركية.. أن هناك من له مصلحة حقيقية في ضرب علاقات البلدين في الصميم وتصويرها على النحو الذي يريدونه ويتطلعون إليه.. وبالتالي فإن اللقاء المرتقب لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بفخامة الرئيس "باراك أوباما" وكبار المسؤولين في إدارته وبأعضاء الكونغرس.. كان ضرورياً ومهماً في هذا الوقت بالذات لبحث عدة ملفات تتصل بمستقبل علاقات البلدين المرشحة -من وجهة نظري- للمزيد من القوة والفعالية بعد إزالة بعض العقبات من طريقها وتثبيتها على أرض صُلبة بمواجهة كافة الأحداث والتطورات الجارية أو المحتملة على حد سواء. تدهور الأوضاع الاقتصادية في العالم بسبب تطبيق سياسات الفوضى الخلاقة بالمنطقة والعالم مفهوم أميركا ومفهومنا للتغيير هذه المقدمة احتجت لها لكي أوضح أهمية هذا اللقاء الرفيع الاول بين ملك يبحث لبلاده وأمته ومنطقته عن الاستقرار والنماء وينشد لشعبه وشعوب أمته كل الخير والازدهار.. وبين رئيس دولة كبرى تواجه بلاده الكثير من التحديات الجسيمة وغير المسبوقة في وقت لم يتبق له في الحكم وإدارة شؤون هذه الدولة الضخمة سوى عام واحد مع الحرص على أن يترك بصمة واضحة له في إدارة شؤون بلاده لمدة فترتين استغرقتا (8) سنوات من الزمن.. وعد في بدايتها بمستقبل واعد لأميركا يقوم على فكرة "التغيير".. العلاقات مع أميركا مرشحة للمزيد من التماسك على ركيزة احترام الإرادة والمصالح إن علينا أن نتفق على أن للزعيمين هدفاً واحداً هو تحقيق الأفضل لبلديهما.. فما هو الأفضل للمملكة العربية السعودية من وجهة نظرنا نحن السعوديين.. ثم ما هو الأفضل للولايات المتحدة في نظر الإدارة الأميركية الحالية؟ تعزيز العلاقات الثنائية الجواب باختصار شديد هو.. أن يعمل البلدان على ترسيخ قواعد هذه العلاقة الثنائية وعمل كل ما من شأنه استمراريتها وتناميها.. بدعم متبادل.. وقناعة تامة بأنه لا بديل لكل منهما عن الآخر.. من هنا نكون قد قطعنا نصف المشوار.. ووفرنا الضمانة الكافية لإنجاح زيارة بمثل هذه الأهمية بين ملك قوي وطموح وحازم وراغب في أن تكون بلاده القوية محور ارتكاز أساسي في الإقليم دون منازع.. وبين رئيس يتوجب عليه أن يفحص العديد من الملفات والتقارير والنظريات التي ورثها وكرست في الأذهان مفهوماً خطيراً لحفظ أمن أميركا ومصالحها في المنطقة أطلقت عليه وزيرة الخارجية السابقة "كونداليزا رايس" مسمى "الفوضى الخلاقة" وثبت أن المضي فيه وتطبيقه قد كلف الجميع خسائر بالغة.. عاصفة الحزم.. بداية مشروع عربي يهدف إلى بناء القوة البناءة من أجل سلام يغلق سجلات الحروب ما بعد نظرية الفوضى الخلاقة هذه النظرية الخطيرة أوقعت الولاياتالمتحدة نفسها قبل غيرها في مأزق شديد.. بسبب الشرخ والارتباك الواضح الذي أحدثته في سياساتها وبعض قراراتها بين "مبادئها ومصالحها".. مما ترتب على ذلك ظهور حالة من التردد والارتباك في اتخاذ قرارات ضرورية ومفصلية تجاه بعض قضايا المنطقة والعالم مثل الوضع في سوريا أو التعامل مع إيران.. ليس هذا فحسب.. بل إن تقارير إعلامية كثيرة تم تسريبها ونشرها.. كانت تظهر الإدارة الأميركية الحالية بمظهر القوة التي تتخلى عن أصدقائها التقليديين في هذا العالم وفي المنطقة بصورة أكثر تحديداً.. مقابل عقد تحالفات جديدة ترى بعض الدوائر المختصة أن التعامل معها بشكل مختلف من شأنه ان يعزز أكثر مصالح أميركا في المنطقة.. وأن الاتفاق الأخير بين إيران والدول (5+1) كان مؤشراً قوياً على هذا التوجه.. وهو غير ما تراه دول المنطقة ودول أُخرى في هذا العالم.. وهو ما يجب أن يُحسم في أقرب وقت ممكن ودون تأخير.. ودون السماح بوقوع أخطاء إضافية لا تخدم أميركا كما لا تخدم دول المنطقة أيضاً.. العلاقات السعودية الأميركية اجتازت كل المراحل الصعبة وأكدت على بعدها الاستراتيجي وإذا اقتنعت الولاياتالمتحدة بأن فكرة التغيير غير مختلف عليها من حيث المبدأ.. وأن آلية وأدوات ووسائل التغيير وتوقيتاته تختلف باختلاف المكان والزمان والثقافة والمجتمع فإن البلدين سيجدان نفسيهما في طريق واحد.. وإن تطلب الأمر إرادة أقوى لتسريع عملية التغيير.. والتطوير.. والإصلاح.. وذلك ما نؤمن به في بلادنا ونعمل على تحقيقه.. ولن نتردد في اتخاذ خطوات إضافية في كل اتجاه يؤدي إليه.. ونحن بالفعل الآن.. نمر بمرحلة جديدة من العمل على إحداث التغيير البنيوي الشامل في الاتجاه الذي يكرس عوامل الاستقرار والطمأنينة ويُشيع الرضا العام.. ويعالج أوجه الضعف ونقاط الاختلال سواء على مستوى الدائرة الوطنية أو الخليجية والعربية أو على مستوى الإقليم.. وليس لدينا أي حساسية تجاه تبادل الآراء وتحليل الظواهر واستقراء النتائج.. بما يساعد على تطوير الذات وتعظيم دور المواطن في التنمية.. وتعزيز الشراكة مع كل الأصدقاء الذين تجمعنا معهم شراكات قوية. أوراق مهمة.. بين يدي الملك والملك سلمان يملك الكثير من الأوراق التي سيجد فيها الرئيس الأميركي "أوباما" وإدارته ما يؤكد سلامة المسار الذي اخترناه.. ونمضي فيه.. ونجد العلاج الأمثل معه لقضايا المنطقة وأزماتها بالتعاون معهم ومع كافة الأشقاء والأصدقاء.. وبمعنى آخر.. فإن إزالة الشوائب (أولاً) من طريق العلاقات الثنائية كفيل بأن يفتح الطريق إلى توافقات كبيرة ومؤثرة تجاه تلك القضايا وفي مقدمتها: أولاً: حسم الوضع في سوريا والعراق ولبنان وليبيا باعتبارها "خمائر" خطيرة لزعزعة الاستقرار في المنطقة. ثانياً: بلورة سياسات واضحة تجاه محاربة الإرهاب الضارب في المنطقة والعالم ومواجهته بجدية أكبر وبرغبة حقيقية في القضاء عليه من الجذور في مدى زمني قصير وليس مفتوحاً وأن نُفرِّق في التعامل معه بين من يستفيدون منه في تحقيق أجنداتهم في المنطقة وبين من يريدون تخليص المنطقة منه وبناء أوطانهم وتنميتها وضخ الأموال المهدرة في محاربته لصالح الشعوب وترقية أوضاعها المعيشية وزيادة فرصها الوظيفية. ثالثاً: تأمين المنطقة ضد أسلحة الدمار الشامل والقضاء على كل ما من شأنه إشعال سباق تسلح نووي في المنطقة وتحريم امتلاك كافة أسلحة الدمار الشامل وهو ما سعت وتسعى إليه إيران بعد اسرائيل.. ومنع تعريض المنطقة بسببه لتوترات دائمة واستنزاف كبير لمقدراتها وصرفها في الاتجاه الخطأ. رابعاً: إغلاق ملف التحالفات الضارة والمتنامية بين بعض دول المنطقة وبعض القوى الخارجية الساعية إلى منافسة الولاياتالمتحدة في الإقليم.. وتقاسم المصالح الحيوية معها في المنطقة. وإزالة الأسباب التي أدت إلى هذا النوع من التحالفات أو الارتباطات أو الشراكات غير البناءة.. بما في ذلك الانفتاح على روسيا.. والصين.. كقوتين مؤثرتين في المنظمة الدولية بحكم عضويتهما في مجلس الأمن.. ومعالجة الأخطاء التي أدت إلى ذلك ودفعت بعض دولنا إليها دفعاً. خامساً: معالجة أوضاع الاقتصاد العالمي التي تسجل الآن تراجعاً قوياً لا مصلحة لدول العالم وشعوبه فيه. التغيير الأميركي المطلوب لكن ذلك يتطلب: - مراجعة أميركا لقناعاتها الحالية ومنها "أن بناء قوة عربية ضاربة لا يخدم أمن وسلامة واستقرار اسرائيل" مع أن العكس هو الصحيح فدول المنطقة مهيأة منذ وقت طويل لإحلال سلام دائم وشامل مع اسرائيل وتحديداً منذ تقدمت المملكة بمبادرة الملك عبدالله وتبني الدول العربية لها في قمة بيروت العربية عام (2002م). - استئناف الولاياتالمتحدة الأميركية لجهودها الجادة لإنجاز سلام دائم يقوم على حل الدولتين الذي اعتمده الرئيس "أوباما" منذ بداية تسلمه للسلطة في بلاده.. وذلك لا يمكن تحقيقه إلا بتعافي الدول العربية من الحالة التي تعيشها الآن وعودة الاستقرار إليها ودعم وتشجيع جهودها نحو بناء سلام دائم تضمنه دول عربية قوية ومتماسكة ومتضامنة.. - الإفراج عن العقود والصفقات المجمدة للتزود بأسلحة دفاعية حرصت دول المنطقة وفي مقدمتها المملكة على الحصول عليها من الولاياتالمتحدة لتمكينها من مواجهة الأخطار والتحديات التي تشهدها المنطقة بشكل عام والمملكة بصورة خاصة وذلك ما جعل دولنا تتجه إلى مصادر أخرى لتطوير قدراتها الدفاعية بحصولها على المنظومة المتفوقة تفادياً للتعرض لأي من تلك الأخطار. - تقديم تصورات بديلة للتعاون بين الولاياتالمتحدة والدول الخليجية في الدفاع عن المنطقة بخلاف المنظومة الدفاعية التي قد لا تروق لشعوب الخليج.. وترى فيها عودة للقواعد العسكرية التي تجاوزتها المرحلة ووفرت عنها بدائل أكثر قوة وفعالية.. لاسيما في ظل الوجود الأميركي الواسع في مواقع حيوية بالمنطقة وفي عرض البحار وكذلك في ظل التقدم التكنولوجي والتقني وتطور أنظمة المعلومات التي تملك أميركا مفاتيحها وكافة مخرجاتها. زيارة تحديث وتنشيط لذلك كله فإن تلبية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لدعوة فخامة الرئيس "أوباما" لزيارة واشنطن في هذا التوقيت تكتسب أهمية قصوى.. باعتبارها الزيارة الأولى له إلى الولاياتالمتحدة الأميركية منذ تولى مقاليد الحكم في المملكة.. والثانية له بعد زيارته لواشنطن في 11 أبريل 2012م عندما كان ولياً للعهد نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للدفاع.. في الوقت الذي تعتبر فيه هذه الزيارة بمثابة اللقاء الثاني بين الزعيمين بعد لقائهما في الرياض في 27 يناير 2015م عندما جاء فخامته للتعزية في فقيد الوطن الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه الله.. وللتهنئة للملك بتسلم مقاليد الحكم، وهي الزيارة التي جاءت في ظروف خاصة لم تسمح للطرفين بالتوسع في التدارس للأوضاع كافة. ونفس الحال تكرر عندما حالت الأوضاع في اليمن وبدء عملية عاصفة الحزم فيه دون مشاركة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في قمة كامب ديفيد التي جمعت بين فخامة الرئيس "أوباما" وبين عدد من قادة دول مجلس التعاون وممثليهم يومي 13 و14 مايو من هذا العام.. وهي القمة التي كان مقرراً لها – كأول قمة مشتركة تعقد بين الجانب الأميركي والخليجي – أن تعيد توجيه "بوصلة" العمل المشترك إلى المسار الصحيح الذي يخدم الطرفين ويعزز من فرص الأمن والاستقرار في المنطقة وإن لمس الجميع حينها أن الولاياتالمتحدة الأميركية كانت ماضية في التوقيع على اتفاقية التسلح النووي بينها والدول الخمس الأخرى وبين إيران.. وهو ما كانت دول الخليج تأمل التريث فيه لا سيما وأن إيران بدت عازمة على استخدامه كأداة جديدة للهيمنة على المنطقة ومواصلة التدخل في شؤونها الداخلية وإعطاء الانطباع بأنها القوة الإقليمية الوحيدة القادرة على التفاوض باسم الجميع.. وحتى اجتماع الدوحة الذي تم بتاريخ 3/8/2015م بعد تلك القمة بين وزير الخارجية الأميركي "كيري" وبين وزراء خارجية دول مجلس التعاون.. وحتى زيارة الوزير الأميركي للرياض بعد ذلك في اليوم التالي لم توفر "التطمينات" الكافية لدولنا وشعوبنا وبالذات في ضوء تزايد نشاط إيران العدواني في أنحاء منطقتنا وضد دولنا الخليجية نفسها وآخرها ما تم الكشف عنه في الكويت. مصادر القوة السعودية لكن السؤال الآن هو.. كيف يتحقق هذا بالفعل؟ من جانبنا نحن هنا في المملكة.. يستطيع المراقب المحيط بفكر القيادة ومنهجها في العمل السياسي أن يتبين أنها تعتمد على سياسة محددة ترتكز إلى العناصر التالية: الحفاظ على المملكة آمنة ومستقرة ونامية إبعاد منطقة الخليج عن المخاطر وتأمين سلامة شعوبها. إعادة بناء المنظومة العربية وتعزيز قدرتها على الدفاع عن نفسها مع السعي إلى نشر السلام والأمن في المنطقة بجدية تامة. إقامة جسور متينة للتعاون المشترك والبناء مع سائر دول المنطقة بما فيها إيران على أسس واضحة ومتينة تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتقاسم مسؤولية العمل على حماية الإقليم من الأخطار والمهددات. إقامة تحالف دولي قوي وفعال ومتجانس للإجهاز على التنظيمات الإرهابية والعمل على استئصالها. التركيز الكامل – بالتعاون مع الشركاء – على تعزيز قدرة الاقتصاد العالمي على الصمود أمام التحديات تجنباً للركود وللهزات النقدية الشديدة. والملك سلمان وهو يسعى إلى استخدام مقدرات المملكة وإمكاناتها لتحقيق الهدف الأول فإنه يعمل بذلك على ضمان تماسك الوطن من الداخل وتكاتف أبنائه وتلاحمهم مع بعضهم البعض.. وكذلك مع القيادة التي تعمل – بكل إخلاص – من أجل سلامتهم وخيرهم بأكثر من وسيلة.. وفي مقدمة تلك الوسائل بناء قوات مسلحة على أعلى المستويات والسعي إلى توفير الاحتياجات الضامنة لكي تكون هذه القوة ضاربة ليس فقط في الدفاع عن تراب الوطن وإنما في الدفاع عن الخليج والجزيرة العربية وكذلك عن أمتها العربية ورفع الأذى والتشويه الذي يتعرض له الإسلام والمسلمين من أعدائهم في الداخل والخارج. اليمن.. صفحة أولى في مشروع الأمة القوية كما أن ما قامت وتقوم به المملكة بحزم وعزم في اليمن بالتعاون مع أشقائها وأصدقائها هو تجسيد لهذا الالتزام الوطني والقومي، وهو التزام بتبني مبدأ الدفاع عن الأرض والعرض والحقوق والممتلكات والسيادة ولا يبادر بالعدوان على أحد لأن المملكة العربية السعودية دولة سلام ووئام ومحبة على مدى تاريخها الطويل ولأنها وجدت نفسها أمام تهديد حقيقي خطير أيضاً. ويتخذ مفهوم الدولة القوية عند خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أبعاداً أخرى ذات طبيعة اقتصادية بالعمل على توسيع قاعدة الشراكة مع الغير.. وبصورة أكثر تحديداً مع كل من تجاوب مع احتياجاتنا ويتبادل معنا المصالح ويعيننا على بناء وتنمية وطننا دون تحقيق أي مكاسب على حسابنا أو ممارسة أي ضغوط علينا. أما بالنسبة لسياسة الملك سلمان تجاه منظومتنا الخليجية فإنها تقوم على أساس تحقيق التكامل بين دولنا في أسرع وقت ممكن بدمج المزيد من القدرات الاقتصادية والأمنية والعسكرية والثقافية وتوظيف الثروات لخدمة الأهداف التنموية والحمائية وتوفير الظروف المناسبة لدمج الدول المتماثلة في اتحاد منشود تجمع بينه خصائص مشتركة.. ومصالح موضوعية كبيرة وضرورات إستراتيجية حتمية.. كما يحدونا الأمل في استيعاب بعض دول الجزيرة والخليج وبعض دول الإقليم التي تشاركنا القناعة بأن الوقت قد حان للرد على سياسة التقسيم والتفتيت بسياسة التكامل والتلاحم والتوحد بعد تهيؤ الأسباب الضامنة لنجاح هذا التكتل بدعم ومباركة تامة من الشعوب. منظومة عربية جديدة وفعالة أما الهدف الثالث الذي رسمه الملك سلمان.. ويعمل على تحقيقه فهو العمل على تطوير العمل العربي المشترك بتوسيع دائرة المنظومة العربية المتجانسة واستيعاب كل من تتهيأ ظروفه بعد ذلك وفق صيغة عمل جديدة وفعالة للجامعة العربية أو الكيان الذي سوف تحدده الظروف الملائمة بعد ذلك.. على أن يكون هدف هذا التكتل العربي الأساسي هو تحقيق السلام الشامل والكامل في المنطقة بعيداً عن الحروب واستهلاك الطاقات.. علاقات الإقليم مع تركيا في طريق التصحيح أما بالنسبة لإقامة جسور متينة مع كافة دول الإقليم كما ورد في المحور الرابع لسياسات هذه البلاد.. فإنه ينطلق من ثقافة القرآن.. وضرورات التعايش مع الغير.. وحتمية التعاون من أجل إقرار سلام دائم وشامل وكامل في المنطقة.. وهناك دولتان مهمتان في هذا الإقليم متاخمتان لمنطقتنا العربية نضعهما في حسابنا ونعمل على تمتين وتعزيز روابطنا معهما.. وهما تركيا.. وإيران.. ونحن وإن كنا لا نختلف كثيراً مع الأتراك على الأسس والمبادئ والأطر العامة لقيام تحالف وثيق بيننا.. بصرف النظر عن وجود بعض الاختلاف العابر بينهم وبين جمهورية مصر العربية الآن.. إلا أننا بصدد استثمار كافة الظروف الملائمة لتحقيق مزيد من تقارب الجميع معها في الرؤية والالتقاء في الأهداف العامة والرئيسية والمسألة لا تعدو أن تكون مسألة وقت. العبث الايراني أما بالنسبة لإيران فإن تراجعها عن مبدأ "تصدير الثورة" الذي اقترن بعودة الخميني إلى طهران وبداية التغيير فيها عام (1979م) فإنه لا يبدو محتمل الحدوث ولا سيما في ظل تراخي الضغوط الدولية وهشاشة الوضع في المنطقة العربية، وهو ما جعلنا نعتقد أن الاتفاق النووي الإيراني الأخير بين إيران والدول (5+1) يزيد في تمسك إيران بتلك السياسة ويعينها أو على الأقل يغض الطرف عن تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول الإقليم.. ومع ذلك فإننا لم نغلق الأبواب نهائياً مع طهران لمعالجة هذا الأمر بالأفعال وليس بالأقوال وبالتصريحات الصحفية المفرغة من المضمون، ومن هنا جاء عتبنا على دول (5+1) لفصلهم بين سياسات ومواقف وممارسات إيران وتدخلاتها المكشوفة في المنطقة والعالم وبين بحث المسائل الفنية البحتة التي لا تعالج صلب المشكلة وجوهرها بل وتعترف بأن الاتفاق قد منح إيران صفة الدولة النووية بصرف النظر عن طبيعة برنامجها وهي طبيعة لا تخلو من التهديد لأمن وسلام المنطقة بأي حال من الأحوال. فما الذي يمكن أن تفعله الدول العربية بعد ذلك سوى أن تبحث هي الأخرى عن مصادر هذه القوة الأخرى بهدف امتلاكها دفاعاً عن نفسها وحفاظاً على مقدراتها وتصدياً للتهديدات الحقيقية لوجودها.. إعادة صياغة التحالف ضد الإرهاب شيء آخر سوف يكون محل نقاش مستفيض هو المحور الخامس في سياسة الملك سلمان المرسومة بعناية فيما يتصل بتحسين مستوى أداء التحالف الدولي الراهن بقيادة الولاياتالمتحدة الأميركية لمحاربة الإرهاب وهو القضية الأساسية والمحورية الآن ولا بد من التعامل معه بشكل مختلف تماماً. هذا التعامل لا بد وأن يبدأ بفحص وتصنيف دقيقين للمشاركين في التحالف أو المدعوين للمشاركة فيه وذلك للتمييز بين من يحاربون الإرهاب لأن لهم مصلحة في محاربته وأخيراً استئصاله.. وبين من أوجدوه ويستفيدون منه في تحقيق أجنداتهم في المنطقة والعالم مثل النظام الإيراني والنظام السوري المتداعي. هذا التصنيف يجب أن يستبعد النوع الثاني من أي تحالف دولي حتى لا يكون وجود تلك الأطراف سبباً في اختراق التحالف وتجنب ضرباته بصرف النظر عن أي مبررات ساذجة تبرر دعوة بعض الدول والأنظمة إلى المشاركة فيه بحجة إجبارهم على مقاومته بدل استغلاله وضمان التزامهم بما تعهدوا به وهي حجة ضعيفة وواهية وغير مقبولة. أما الأمر الآخر فإن هذا التحالف لا بد وأن يعمل في ضوء خارطة طريق واضحة وتوزيع دقيق للأدوار وللتكاليف بدل إلقاء العبء على البعض واستثناء البعض الآخر، وبدل ترك المهمة مفتوحة السقف على زمن غير محدد.. فليس في مصلحة ولا احتمال دولنا وشعوبنا أن يطول أمد هذه الحرب مع هذه التنظيمات الإجرامية إلا إذا كانت الغاية هي استنزاف الدول للوصول بها إلى حافة الانهيار. وما يتحدث به بعض المسؤولين الأميركان عن أن هذه الحرب ستحتاج إلى عشرات السنين هو أمر يصعب التسليم به أو الاستمرار فيه لمدى طويل لأن في ذلك استنزافاً لقدراتنا وإمكاناتنا وتوجيه مدخراتنا للإنفاق على حروب مفتوحة على حساب تنمية أوطاننا زيارة مفصلية تحدد ملامح مستقبل المنطقة وكما قلت منذ البداية فإن تلبية الملك سلمان لدعوة الرئيس "أوباما" وزيارته لواشنطن غداً الجمعة لن تكون مجرد زيارة بروتوكوليه عادية يتبادل فيها القائدان والمسؤولون في البلدين المجاملات ويتناولون أطايب الطعام وحلو الأمنيات.. وإنما هي ستكون زيارة محورية غاية في الأهمية لإعادة صياغة علاقات ثنائية تجاوز عمرها (84) عاماً من الزمن وشهدت الكثير من التقلبات لكنها حافظت على مبدأ استمراريتها ومعالجة أوجه الاختلاف في بعض محطاتها بحكمة نادرة ومسؤولة. وإذا كان هناك ما يحرص خادم الحرمين الشريفين عليه في هذه الزيارة أكثر من غيره فإنه البحث عن "الوضوح" لتحديد خطوات السير المثلى في المرحلة القادمة بشكل إيجابي وعملي ومنظم تحقيقاً للمزيد من المصالح الحيوية التي تحتم علينا جميعاً الحفاظ عليها وتنميتها وتطويرها باستمرار.. وليس سراً أن نقول إن تلك المصالح الكبيرة التي تربط العديد من دول العالم معنا في شراكة متينة وإن كانت متفاوتة في قوتها مثل الصين وفرنسا وروسيا واليابان وبريطانيا وكوريا وألمانيا أن تلك المصالح باتت مرشحة للمزيد من التعزيز والتوسع لتلبية احتياجاتنا الكلية والاستفادة من وضع المملكة كأكبر دولة تملك (24.7%) من احتياطات الثروة البترولية في العالم.. ومن فرص الاستثمار الكبيرة المتاحة فيها ومن دورها الاستراتيجي الأبرز في الإقليم وكذلك في منظومة الدول العشرين في حصتها من الأسواق المفتوحة على مصراعيها في ظل الثبات في المواقف والسياسات التي جلبت لنا الاستقرار ولغيرنا المنفعة.. ولما ينتظرنا من مستقبل واعد لشعب المملكة وشعوب المنطقة بأسرها. احترام الارادة والمصالح ذلك كله هو الذي يجعلنا ننتظر من الولاياتالمتحدة الأميركية تفهماً أفضل لما يدور في أذهاننا ويعزز أواصر علاقاتنا التاريخية المهمة بين البلدين. ننتظر هذا من وراء هذه الزيارة مع معرفتنا بأن الولاياتالمتحدة تتأهب الآن لخوض انتخابات رئاسية هامة يخوض خلالها الحزبان الديمقراطي والجمهوري معارك ضارية للوصول إلى البيت الأبيض. وقد يكون من المبكر الحديث عمن سيأتي إلى سدة السلطة في النهاية فذلك اختيار يحسمه الشعب الأميركي.. أما دول العالم الأخرى فإنها لا تتردد في وضع يدها بيد الحزب الذي يحترم حقوقها ومصالحها وإرادة شعوبها ويحافظ على تعهداته تجاهها ويعمل على بناء شراكة عميقة معها ونحن بلد قدم الكثير لأصدقائه في مختلف أنحاء العالم على مدى قرون.. ومن حقنا على هؤلاء الأصدقاء أن يحافظوا على صداقتنا معهم.. ولا يضعونا في كفة واحدة مع من كانوا أعداء لهم حتى هذه اللحظة وقتلوا من أبنائهم المئات في مختلف أرجاء الأرض.