مساء هذا اليوم ستحسم نتيجة الانتخابات التمهيدية لقوى اليمين والوسط ومناصريهم، حول من سيكون مرشحهم للانتخابات الرئاسية لعام 2017م، بين المرشحين ألن جوبيه وفرنسوا فيون. لقد مثّلت نتائج انتخابات الدورة الأولى بين المرشحين السبعة فشلا ذريعا لمؤسسات استطلاعات الرأي، التي أكدت أن الجولة الثانية ستكون محصورة بين نيكولا سركوزي وألن جوبيه، وأن المرشح فرنسوا فيون لن يحصل على أكثر من 10%، هي نسبة قد تجعله في المركز الرابع إن لم يكن الخامس. اليوم لن تخطئ وسائل الاستطلاعات إلا في نسبة تقدم فيون على جوبيه، إلا بمفاجأة من العيار الثقيل تفوق بعشرات المرات مفاجأة وصول فيون للمرتبة الأولى وخروج سركوزي. من هو فيون الذي حل أولاً وبنسبة تزيد على 40% منذ الدورة الأولى، والذي يتقدم اليوم بخطى ثابتة لهزيمة خصمه من عائلة اليمين والوسط، والتي تبدو شبه مؤكدة حسب معظم المراقبين؟. من هو هذا السياسي «الهادئ والمسئول» الذي يسير قدماً صوب قصر الإليزيه في الانتخابات الرئاسية في فرنسا 2017م؟. (فيون)، في الواحد والستين من العمر، سياسي ينطبق عليه المثل القائل (من زرع حصد). يزرع ويكد في السياسة منذ نعومة أظفاره في الفرع اليميني الصارم في العائلة الديجولية من حزب التجمع من أجل الجمهورية إلى حزب الجمهوريين الحالي. دخل كأصغر عضو في البرلمان الفرنسي في السابعة والعشرين من العمر في عام 1981م وعمل وزيراً في معظم الوزارات اليمينية إلى أن اصبح رئيساً للوزراء تحت رئاسة سركوزي حتى نهاية ولايته مع وصول الرئيس فرنسوا هولاند. متشدد في يمينيته -غير متطرف - لكنه لا يوفر الاستفادة من الموجة الشعبوية التي تتشكل في أكثرية البلدان الديمقراطية والمستندة على دعاوى عجز الحكومات اليمينية واليسارية عن تقديم بدائل تقطع العلاقة مع الواقع الراكد المقصود به النظام الديمقراطي. يتضح ذلك مثلاً في اتهاماته لمنافسه ألن جبيه بأنه يمثل «جزءا من النظام القائم» وأنه - جبيه- قد يقوم ببعض الإصلاحات لكنه لن يقدم «جديدا». ما هو الجديد لدى فيون؟. يتضح هذا الجديد في البرامج الاقتصادية والسياسية بعناوين مرجعياتها. فيون «تاتشري» في الاقتصاد وهذا يعني إعطاء الأولوية لربحية المشاريع على حساب الجوانب الاجتماعية. البرنامج الاقتصادي لفيون ينص على زيادة ساعات العمل من 35 ساعة في الأسبوع إلى 39 ساعة دون زيادة في الراتب، كما ينص على زيادة عمر التقاعد وتخفيض الضرائب بما يسمح بزيادة تنافسية المنتجات الفرنسية.. الخ. تلك معالم لسياسة اقتصادية قاسية بانتظار الفرنسيين. هذه السياسة الاقتصادية الصارمة تترافق مع سياسة اجتماعية صارمة، يأتي على رأسها سياسة الهجرة والمهاجرين، بل ومحاولة التضييق على الفرنسيين من أصول غير فرنسية. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى ما يتضمنه برنامج فيون من «إصلاحات». في فرنسا يمنع القيام بأية إحصاءات حول السكان تقوم على أساس اللون أو العرق أو الدين، لكن فيون يقترح التخفيف من هذه القيود؛ (لتحقيق نوع من التوازن العددي بين الدول المصدرة للمهاجرين). كذلك يتحدث برنامج فيون عن رغبته في إدخال تعديل دستوري يربط استقبال المهاجرين بقدرة فرنسا الاستيعابية من خلال تحديد عدد المهاجرين الذين يسمح لهم بدخول فرنسا والاستقرار فيها. من خلال هذه المعالم؛ يمكن القول إن فرنسا بقيادة فرنسوا فيون ستقدم على إجراءات صارمة ليس فقط على الأجانب بل على الفرنسيين وفق مبدأ ليس بعيدا عما يسمى بالنظام النيولبرالي. كل ذلك لا يدعو إلى التطرف في إصدار الأحكام «الأيديولوجية المسبقة على أن فرنسا هي روسيا أو حتى أمريكا في رؤية السياسيين لأهمية الديمقراطية وما تمليه من نظم للحكم. صحيح أن السياسة الخارجية لفرنسا تمثل توازناً نسبياً للصراعات والحروب الدائرة في منطقتنا، ووصول فرنسوا فيون لرئاسة فرنسا، لن يكون استمراراً لسياستها القائمة. المعالم الأولية لهذه السياسة الجديدة معلنة حول روسيا وسوريا وإيران، لكن سياسة متطرفة لمن سيجلس في الإليزيه غير واردة وبخاصة على مستوى المردود السلبي. البعض يتخوف من وصول مارين لوبن زعيمة الجبهة الوطنية العنصرية والمتطرفة للمركز الثاني على حساب اليسار الممزق وبعض المرشحين المستقلين، لكن ذلك حتى ولو حدث فلن يسمح لا اليمين ولا اليسار لها بالوصول لسدة الرئاسة لأن فرنسا والفرنسيين ليسوا أمريكا ولا الأمريكيين، حتى ولو كان الظرف الدولي يوحي بذلك في أمريكا ترامب أو روسيا بوتين. صحيح أن اليمين واليسار اليوم في فرنسا يتسابقان على «سرقة» شعارات بل والكثير من الإجراءات المعلنة لمارلين لوبن، لكن الطبقة السياسية والمنظمات المدنية بل وأكثرية الفرنسيين يعرفون خطر الجبهة الوطنية على فرنسا والفرنسيين.