لا مبالغة في القول إن مارين لوبن زعيمة «الجبهة الوطنية الفرنسية» (اليمين المتطرف) هي الوحيدة المرتاحة في أوساط الطبقة السياسية، اذا التفتت خلفها ترى أن الجبهة في حال تقدم مستمر خلال الاستحقاقات الانتخابية المختلفة التي خاضتها، وتجد أن حزبها الذي كان معزولاً في عهد والدها جان ماري لوبن، بات يحتل مقاعد في المجالس المنتخبة بما فيها البرلمان وبات له موقعه على الخريطة السياسية إسوة بالأحزاب الأخرى. نجحت لوبن في رهانها ومكنت حزبها من اختراق طوق التهميش الذي فرض من حوله على مدى عقود، وذلك بمجرد تلطيفها لطروحاتها الشعبوية والانعزالية من دون العدول عن جوهرها. لا بل ان هذه الطروحات صارت موضع تبني من قبل بعض القوى السياسية التقليدية التي باتت تتخوف من تحول قواعدها عنها لمصلحة «الجبهة الوطنية». هذا التبني بدا للبعض ضرورياً وحيوياً نظراً الى تنامي التأييد الشعبي لمواقف الجبهة التي بات الناخبون يجاهرون بها في حين كان يعبّر عنها تلميحاً في عهد والدها. استفادت لوبن التي تزعمت الجبهة عام 2011 من عناصر عدة موضوعية في طليعتها الضائقة الاقتصادية والبطالة، وأضيف اليها الواقع الجديد الذي نشأ في فرنسا وأوروبا عموماً، نتيجة تدفق المهاجرين وتسلل تنظيم «داعش» الى قلب فرنسا من خلال عملياته الإرهابية الدامية. واستغلت لوبن المآسي المختلفة التي تعاني منها فرنسا لرفع جبهتها الى المرتبة الثالثة بين القوى السياسية في ضوء التهميش التام الذي أصاب قوى اليسار المتطرف والوسط. كذلك استفادت بلا شك من الواقع المزري للحزبين الرئيسيين، «الاشتراكي» الحاكم و «الجمهوري» اليميني المعارض. ومع انهيار ركائز الاشتراكيين الشعبية تباعاً على مدى السنوات الاربع والنصف من توليهم الحكم وتبعثر صفوفهم نتيجة التنافس الشخصي بين القيادات، لم يتمكن اليمين المعارض من بلورة بديل مقنع كونه غارقاً بدوره في الانقسامات والتنافس. وفي ما يتخبط الحزب الاشتراكي مثله مثل حزب الجمهوريين في الأعداد لانتخابات بدائية لاختيار مرشح كل منهما للرئاسة في ربيع عام 2017، أطلت لوبن على مؤيديها خلال مهرجان أقيم في عطلة نهاية الأسبوع الماضي بصفاء، باعتبارها المرشح الرئاسي الطبيعي لحزبها. واستناداً الى تقدم مضطرد لجبهتها، فهي تعتبر نفسها الاكفأ في الدفاع عن مصالح فرنسا والفرنسيين والأجدر بالدفاع عن الهوية والسيادة، انطلاقاً من المصلحة الشعبية، معتبرة ان وجودها في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية المقبلة أمر بديهي. وما يساهم في تعزيزها لهذه القناعة هو كونها تستند الى حزب متماسك وراءها وتسعى الى توسيع نطاق الناخبين المؤيدين لها، في حين ان جهد منافسيها سواء من اليسار او اليمين سيكون منصباً على اعادة جذب الناخبين الخائبين الذين ابتعدوا عنهم. لكنه يبقى من الصعب القول ما اذا كانت هذه الانطلاقة المريحة كفيلة بإيصال لوبن الى الرئاسة خصوصاً أن 8 أشهر تفصل عن موعد الانتخابات وهي فترة مفتوحة على كثير من التطورات والاحتمالات، خصوصاً أن المعركة الانتخابية الفعلية ستبدأ بعد اختيار الاحزاب لمرشحيها. ويبرز تماسك اليمين المتطرف مقارنة باليمين التقليدي المتمثل بالجمهوريين الذين يتنافس 7 من سياسييهم للفوز بالرئاسة. واعتمدت أمس، الهيئة المكلفة تنظيم الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في 20 و27 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، سبعة مرشحين للرئاسة يتصدرهم رئيس بلدية بوردو ألان جوبيه (71 سنة)، يليه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي (61 سنة). ومن بين المرشحين الآخرين، امرأة هي نتالي كوشيوسكو موريزيه، ورئيس وزراء سابق آخر هو فرنسوا فيون. ولا يتوقع أن يدخل هؤلاء على خط الخلاف بين جوبيه وساركوزي.