باستثناء كونها مخيبة لليمين المتطرف، طابقت نتائج الدورة الثانية من انتخابات المناطق الفرنسية توقعات تحقيق المعارضة اليمينية انتصاراً كاسحاً، ومواجهة اليسار الحاكم هزيمة قاسية على رغم عدم تقهقره. وكسب حزب «الاتحاد من اجل حركة شعبية» (اليمين المعارض) وحلفاؤه في الوسط 66 منطقة، فيما تراجع عدد المناطق التي يسيطر عليها الحزب الاشتراكي إلى 34، ولم تستطع «الجبهة الوطنية الفرنسية» (اليمين المتطرف) إلا الفوز بمنطقة واحدة، لكنها نجحت في إيصال حوالى 60 مرشحاً إلى مجالس مناطق مختلفة. وتكاد هذه النتائج تكون اعتيادية في بلد ديموقراطي يألف التناوب على الحكم لولا تساؤلات متعددة ترتبط بها على صعيد القوى المتنافسة. الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي قاد بنفسه حملة اليمين، قال إن «نتائج الانتخابات تشكل هزيمة لا لبس فيها للرئيس فرنسوا هولاند، وعقاب له ولفريقه على الكذب والتجاهل والعجز». وبدا واضحاً أن ساركوزي علّق على نتائج الانتخابات في ظل تفكيره بالانتخابات الرئاسية عام 2017، خصوصاً أنه قال: «أطلق التناوب ولا مجال لوقفه». ويستطيع ساركوزي ان يتباهى بأن استراتيجيته حجّمت اليسار وقلّصت النمو في شعبية اليمين المتطرف، ولكن هل سيتمكن من فرض نفسه مجدداً واستراتيجيته على حزبه لنيل ترشيحه للرئاسة، وهل سيخرج منتصراً من المعركة الحتمية التي ستدور بينه وبين منافسيه داخل حزبه، وفي طليعتهم رئيسا الحكومة السابقين ألان جوبيه وفرنسوا فيون؟ ولا تقتصر هذه المعركة على التنافس بين الأشخاص بل تنطلق من تباين أساسي حول ركائز اليمين. إلى ذلك، أقرّ الاشتراكيون بهزيمتهم، على رغم عدم تكرار نتائجهم المخزية عام 1992 حين كسبوا 21 منطقة فقط. وقال رئيس الحكومة مانويل فالس إن «الفرنسيين عبروا مجدداً بالاقتراع أو بالامتناع عن تطلعاتهم وتوقعاتهم، وغضبهم من صعوبات الحياة اليومية ومشاكل البطالة والضرائب والغلاء». وأكد فالس الذي كان وضع ثقله في الحملة الانتخابية، انه سمع رسالة الناخبين، لكنه استدرك أن هامش التحرك أمامه ضيق الى حد أنه لم يستطع إلا التعهد ببعض الإجراءات في مجال الاستثمار الخاص والعام، ومواصلة سياسة الإصلاح التي لم يرَ الفرنسيون حتى الآن إلا سيئاتها، فيما لا يزالون يترقبون إيجابياتها. والسؤال هنا هو إذا كان اليسار سيستطيع تحقيق تقدم، ولو محدود، على صعيد خفض البطالة وتحسين المستوى المعيشي للتقرب مجدداً من الناخبين، وهل سينجح في تسوية خلافاته الداخلية التي تستند أيضاً إلى تصورات مختلفة لسياسة اليسار. أما زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن فخسرت رهانها في السيطرة على منطقة أو منطقتين، ما جعلها تصب غضبها على كل من اليسار واليمين، وتتهمهما بالعمل معاً لإفشالها. لكن لوبن حققت رغم ذلك إنجاز تأمين حضور جبهتها في مجالس مناطق عدة. وكانت حصة اليمين المتطرف في هذه المجالس اقتصرت سابقاً على عضو واحد، ما يظهر مجدداً انه بات في نظر الفرنسيين حزباً مثل باقي الأحزاب، وأن مكاسبه الانتخابية ليست ظرفية، بل تعكس قناعة متزايدة بأنه الأكثر جدارة في الدفاع عن مصالح الشعب.