لا جدال أن التأثير والتدخل الأمريكي في المنطقة العربية في عهد الرئيس أوباما قلّ وبلغ أضعف حالاته، وقد ساهم في ذلك عدة عوامل تتعلق في المنطقة أولاً، وفي بنية النظام الدولي، الذي صعدت فيه قوى دولية طامحة، على روسياوالصين، وفي شخصية الرئيس أوباما وفريقه. لكن اللافت في موضوع الحضور الأمريكي في المنطقة هو الضعف في أداء الخارجية الأمريكية، مجسدة بالوزير جون كيري، وقبله في هيلاري كلنتون، لكن العرب بالتأكيد لا ينسون وزراء الرئيس بوش في الخارجية الأمريكية ممثلين بكولن باول أو كوندليزا رايس، لكن حتى في السياق الديمقراطي هناك من هو أهم من جميع هؤلاء وهي التشيكوسلوفاكية الأصل مادلين كوربل أولبرايت والتي كانت أول امرأة تتولى منصب الخارجية في تاريخ أمريكا، ومع ذلك فأولبرايت ليست الأفضل في الخبرة الشرق أوسطية. لكن ما الذي أصاب مؤسسة الخارجية الأمريكية لتفقد التأثير، ولماذا واظب كيري في عهد أوباما على الإكثار من زياراته للمنطقة دونما جدوى، وهل تكون زيارته الأخيرة للمنطقة وعبر أبواب مسقط ومن أجل آخر نفس أمريكي في المسألة اليمنية هي أفضل النهايات له وللرئيس أوباما الذي تلقى هزيمة كبيرة بوصول ترامب مكانه! وربما تكون آخر مقابلات كيري الباحثة عن حلول لمعضلات الإقليم، مع مسؤولي المنطقة، مع رئيس وفد الحوثيين إلى مفاوضات الكويت، محمد عبدالسلام، الذي ضرب موعداً للمقابلة منذ فترة وأقام في العاصمة العُمانية منذ أكثر من أسبوع، للقاء المنتظر والذي لن يقدم الجديد. وما الجواب الذي سيخرج به كيري بعد تدمير الحوثيين للدولة اليمنية؟ حين سئلت مادلين أولبريت عن وفاة أكثر من نصف مليون طفل من جراء الحصار الاقتصادي على العراق قالت: إنه ثمن مناسب للحصار، وحين يوجه ذات السؤال لكيري عن تشريد ملايين السوريين ومقتل أكثر من مليونين ونصف المليون، وعن خراب اليمن والعراق وإسقاطه في الحضن الإيراني، فإن الجواب قد يكون: إنه ثمن مناسب للانسحاب الأمريكي من المنطقة! أو هو ثمن مناسب لقيمة الخيبة المنتظرة من حكم أوباما، أو هو ثمن مناسب لاختفاء عبارات الموت لأمريكا من شوارع طهران، وسوريا، وبيانات حزب الله. في تاريخ الخارجية الأمريكية ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، هناك أسماء لوزراء ارتبطوا في المنطقة، وحضروا بقوة، بغض النظر عن الحزب أو الرئيس، لكن غالبا الحضور القوي للخارجية الأمريكية يرتبط برئيس قوي أيا كان حزبه وعلى الأغلب التأثير للجمهوريين، واليكم الأمثلة، جاء جون فوستر دالاس وزير خارجية بين عامي 1953-1959 مع الرئيس أيزنهاور، وقدم للمنطقة مشروع حلف بغداد للوقوف بوجه المدّ الشيوعي في المنطقة العربية، ومن المهمين الوزير وليام روجرز بين عامي 1969-1973 إبان عهد الرئيس نيكسون، وكان روجرز صاحب مشروع في المنطقة ارتبط باسمه، وقدّم أول مبادرة لحل الصراع العربي الإسرائيلي. أما هنري كيسنجر فبين عامي 1974- 1977 لعب دوراً مهماً في الانفتاح على الصين والشرق الأوسط وتوجت زياراته المكوكية بين العرب وإسرائيل باتفاقية كامب ديفيد عام 1978. وخدم جيمس بيكر مع الرئيس جورج بوش الأب بين عامي 1989-1992 وزار المنطقة عشرات المرات بحثاً عن مخرج لأزمة 1990. وسجل أكثر الوزراء تأثيراً حضوراً أواخر القرن العشرين. كان وزراء الخارجية الكبار أمثال بيكر ونيكسون ودلاس وغيرهم يقابلون رؤساء الدول للخروج بحلول أو إنهاء صراعات مديدة أو المجيء بتدخل سافر في المنطقة، أو إطفاء عزلة، فيما وزراء أوباما يقابلون رجال فصائل ومعارضات متعددة، مما جعل منصب الخارجية الأمريكي في اضعف حالاته، وما منح مبررا لوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف لكي يرى نظيره الأمريكي كل مرة بعطف يرقى إلى الاستخفاف، ذلك أن مثل كيري ليس كمثل نيكسون أو بيكر، فكيري لا يعرف ما يريد أن يطلبه إلا بالقدر الذي يؤمن له المزيد من منح الأعذار وانتظار المزيد من الدمار في المنطقة ليكون الثمن مناسباً لمقولة: «أن أمريكا لا تريد المزيد من الحروب والتدخل في المنطقة». أخيرا.. كان أهم أوسمة الرئيس الرابع والثلاثين للولايات المتحدة ايزنهاور وسام الانتصار، فقد نجح في قيادة قوات الحفاء في أوروبا ونجح لاحقا في استمرار الضغط على الاتحاد السوفيتي في فترة الحرب الباردة، وكان أول قائد لحلف الناتو، وبعهده برزت قوة أمريكا في الشرق الأوسط وفي عملها على الاستقرار الدائم او منافسة الروس، لأنه كان يؤمن بمقولته:«إن كل بندقية تصنع وكل سفينة حربية تدشن، وكل صاروخ يطلق هو في الحسابات الأخيرة عملية سرقة للقمة العيش من فم الجياع ومن أجساد الذين يرتجفون من شدة البرد ويحتاجون إلى الكساء.». أما طريقته التي عرفت لإنجاز المهام، وقسمتها بين: هام وعاجل، هام وغير عاجل، غير هام وعاجل، غير هام وغير عاجل، فهي بالتأكيد أفضل مما كان يخطب به باراك أوباما طيلة فترة حكمه التي انتهت بأمريكا بلا حضور يذكر. لنصل للقول إن وزراء خارجية الجمهوريين أكثر تأثيرا وحسما في المنطقة العربية والعالم، وهذا مرتبط بإداراتهم.