يستطيع وزير الخارجية الأمريكية أن يشكل الملامح البارزة للسياسة الخارجية لبلاده إذا ما توفرت له الدراية والكاريزما، وهو ما أمكن ملاحظته في عهد الرئيس أيزنهاور عندما كان دالاس وزيرًا للخارجية، وفي عهد الرئيس جورج بوش الأب عندما كان جيمس بيكر وزيرًا للخارجية، وما يمكن توقعه الآن بعد تعيين الرئيس أوباما للسناتور جون كيري وزيرًا للخارجية خلفًا لهيلاري كلينتون، حيث من المتوقع ألا يجد كيري معارضة تذكر من جانب الجمهوريين الذين يشكلون الأغلبية في مجلس النواب. رب قائل -بالنسبة لنا كعرب- إن وزير الخارجية الأمريكي مثله مثل الرئيس الأمريكي، ليس بوسعه أن يغير ناموس العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية التي تقوم على أساس انحياز واشنطن السافر لإسرائيل ليجعلها أقل انحيازًا، لكن يظل ما هو أهم من هذا القول، وهو أن الرئيس الأمريكي عندما يختار مسؤولاً جديدًا ليشرف على السياسة الخارجية لبلاده في ولايته الثانية فإنه يمكن أن نقرأ إلى حد كبير توجهات الإدارة الأمريكية في تلك الحقبة الجديدة من خلال تسليط الضوء على الوزير الجديد. فما نعرفه عن كيري أنه كان من المناهضين لحرب فيتنام، وإنه أحد مرشحي الرئاسة الأمريكية السابقين (2004)، وأحد أبرز المخضرمين في السياسة الخارجية الأمريكية من خلال ترؤسه للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ منذ العام 1984. كما ينبغي ألا ننسى أنه عمل مفوضًا للرئيس أوباما لتحسين علاقات الولاياتالمتحدةالأمريكية مع العالم الإسلامي وأنه من أشد الشخصيات السياسية الأمريكية انتقادًا للسياسات الإسرائيلية الاستيطانية، وهو ما يدفع إلى الجزم بأن تعيين جون كيري مهندسًا للسياسة الخارجية الأمريكية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون خبرًا سارًا لزعماء إسرائيل وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي صادقت حكومته مؤخرًا على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهو ذلك الإجراء الذي أدانته واشنطن نظريًا، وباركته عمليًا عندما هددت باستخدام حق الفيتو ضد أي قرار ملزم قانونًا بوقف خطط الاستيطان الإسرائيلي الجديدة. المطلوب من الفلسطينيين في المرحلة الجديدة تفعيل وضعهم القانوني الجديد في الأممالمتحدة كي يتمكن كيري والمجتمع الدولي من دعمهم وتحقيق حلم الدولة على أرض الواقع.