«بعض الناس من كثر ما يحاول يكون مختلف، صار متخلّف» ولا عجب في ذلك، فمن يحرم نفسه الخير بكثرة مجادلاته ومماحكاته غير المبنية على أساس صحيح، سيحبس نفسه في دائرة التخلف حتى ولو ادعى الخلاف والسعي نحو التميز، وهذا أحد وجوه الطرفة التي سأركز عليها في هذا المقال! يجادل العلماء الشرعيين ويناقش الأحكام الفقهية، وهو لا يحفظ جزء عم، ولا يعرف طرق الاستدلال! يقدم الوصفات الطبية ويناقش الأطباء، وهو لم يقرأ من الوصفات إلا وصفة «الفيكس»! يقدم تحليلات سياسية تستشرف مستقبل العالم، ومعلوماته مصدرها الوحيد مواقع التواصل الاجتماعي! يقول: وهل تريدني أن أسلم عقلي لمثلك؟! أنا إنسان أعطاني المولى عقلا ومن حقي استخدامه! وقد صدق! فهذه القاعدة من القواعد التي نحن بأمس الحاجة إليها، ولكنها مع شديد الأسف لا تستخدم في الموضع الصحيح، فالرأي المستقل يجب أن يكون نابعا من علم وإدراك، وأسس منطقية دفعت للخلاف، وإلا أصبح مجرد جدال عقيم يبين نقص عقل صاحبه، وقد قال عنه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه». ولا شك أن طبيب القلوب، ومن لا يتكلم إلا وحيًا صلى الله عليه وآله وسلم لم يعد ببيت في الجنة لمن ترك الجدال إلا لخطر المخالفة العقيمة! وهذا هو المشاهد! فصاحب «عنز ولو طارت» المستقل، سيصبح مكروهًا من غيره، فمن ذا الذي سيصبر على شخص كلما قيل له يمين قال يسار، وكلما قيل له يسار قال يمين، وكل ذلك من أجل أن يثبت ذاته على حساب غيره؟! كما أنه سيتحول إلى أضحوكة، وعند من؟ عند العقلاء ومن يفهمون الأمور حتى ولو نال إعجاب البسطاء لفترة! كما أنه يضعف قدرات الإنسان، فمن يحتاج إلى دليل على وجود الشمس، سيصبح معجبًا بنفسه، ولا يتقبل من الآخرين، كما أن العقلاء يتجنبونه ولا يمكن أن يكونوا وسيلة لتطويره! ولكني أريد أن أكون مختلفًا! طريق التميز وصنع الشخصية لا يكون بالمجادلة بالجهل بل بتقوية النفس، ومن ثمّ شق الطريق المختلف نحو العلياء! * متخصص بالشأن الاجتماعي