تتجه أي قراءة إلى الزاوية التي يقرأ من خلالها وكلما توجهنا لجهة فإننا لا نرى إلا جهة الانتماء التي تم تركيز الضوء عليها. قل لي ما انتماؤك اخبرك عن توجهك وكيف قرأت وكيف تقاتل لإثبات أنك أنت الصح وأن مخالفك على باطل. إن لم تكن معي فأنت ضدي.. ومن يخالف اتجاهي فلا رأي رشيداً له..حمل مع انتمائه راية تعصبه ووضع على عينيه حجاباً يمنعه أن ينظر لخلاف توجهه.. فقوقع نفسه ورأيه في حصن فكر تعصبه يرفض راية سلام وكلمة حق وفكر حوار سليم. كم تمنيت ان نتبادل الأدوار فنرى وجهة نظر بعضنا ليعذر كل منا صاحبه ويحترم توجهه ووجهة نظره. ما يعيب نقاشاتنا أننا نريد أن نقنع مقابلنا ونريه بالاجبار دون ترك الخيار له لاقناعه حاملا شعار فرعون لا أريكم إلا ما أرى، ولا أهديكم الا سبيل الرشاد مقتنعين بل جازمين أنه الحق الذي لا يأتيه الباطل بين يديه، نسينا أن الحوار ان أوضح لك وجهة نظري وتريني وجهة نظرك لنقف جميعنا على قمة هرم الحقيقة ونرى جوانبها من غير ارغام ولا تأثير ونترك لبعضنا أحقية القرار. كلنا يستطيع أن يتصيد وكلنا يستطيع أن يقرأ وعند التواجه لكل منا دليله ولكل منا قدرة الاتهام بالتزوير والتلفيق والكذب والحقيقة التي تثبت وجهة كل طرف. العاقل من أخذ الحق وعاد إليه، وعند الجدال العقيم ينسحب متذكرا "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء الجدل بلا فائدة" ولو كان محقا. ان حاورت حكيما رأيت.. وإن جادلت مناظرا استزدت.. وان خاصمت سفيها سقطت، قل لي من تحاور اخبرك ماذا ستجني فإنك لن تجني من الشوك العنب ولن تزرع في أرض سبخة شجرا.. لنقف جميعا في اتجاه الحقيقة ولنتجرد من انتماءتنا ولنقل مانقوله ولنصدق مع انفسنا فالمرء خصيم نفسه يساءل عما يقول ويحاسب بما نطق فكلٌ محاسب بعمله وقوله النقد البناء مطلب ننتقد الفكرة سلبا وإيجابا ونترك نقد الشخص وشخصنة المواقف والاخطاء لتنسب للشخص ويترك الفعل. لنكن صادقين مع انفسنا قبل غيرنا فليس أحمق ممن يكذب على نفسه ويغالط قناعته، فالحق أحق أن يتبع. إن أردنا أن تتقدم أنديتنا لنصدق معها ولنهدِ إليها أخطاءها مع الحفاظ على قدر أصحابها ورموزها لأن القصد الاصلاح لا الإفساد. فالحقيقة تخدم والمجاملة توهم والكذب يسقط ولا يبني ولا يغير.