هذا اليوم الأول من شهر أكتوبر يهم كبار السن بوجه خاص، فهو يوافق اليوم العالمي للمسنين.International Day of Older Persons)، ونتساءل عن العلاقة والمكانة للمسنين في مجتمعاتنا العربية. والمسن Elderly في عالمنا العربي من بلغ ستين سنة أو خمسا وستين، ويتحدد سن التقاعد بستين سنة، لكن العالم مدّد هذه السن، من خلال قسم السكان التابع للأمم المتحدة، إلى الخامسة والثمانين من العمر أو أكثر. وحديث «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ سِتِّينَ إِلَى سَبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ» [ رواه الترمذي]، فيه تعيين متوسط عمر الأمة من ستين سنة إلى سبعين، ولكنه لم يحدد بداية سن الشيخوخة للفرد؛ لتعذر وضع حد زمني دقيق بين مراحل العمر المختلفة، ولأن أعراض بدء الشيخوخة تختلف باختلاف الأفراد والبيئات المختلفة. المسنّ في شريعتنا له مكانته من المهابة والتقدير والاحترام والإجلال والبِّر، ويتأكد الاحترام والتقدير عندما يكون كبير السن أبا أو جدًّا أو خالا أو قريبا أو جارا، وذلك لحق القرابة والصلة والجوار، فماذا عن واقع المسن في حياتنا؟ احترام المسن هو تقدير للكرامة الإنسانية، لا ينبغي أن تتلاشي بسبب عجز المسن عن القيام بأدواره أو افتقاره إلى المال والنفوذ وتحوله في نظر البعض إلى عبء في رعايته. إن العلاقة بين الصغار والكبار في المجتمع المسلم توزن في السُّنة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا) [رواه الترمذي]. وغياب الاحترام والتعاطف يضعف انتماء الشخص إلى المجتمع المسلم وهذا معنى (ليس منا). بل جعل الإسلام إكرام المسن المسلم من تعظيم الله وإجلاله: ففي الحديث: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ» [رواه أبو داود]. ومن توقير المسن أن نحرص على التواصل معه دون أن يترك فريسة الاغتراب الاجتماعي بسبب تفرق الأولاد في شئون حياتهم وانصرافهم في أعمالهم أو انهماكهم مع أسرهم الجديدة، فالوحدة تجربة عاطفية يشعر فيها الفرد ببعده عن الآخرين وقلة المساندة وانحسار الاتصالات الاجتماعية، وهكذا تتقلص علاقاتهم الاجتماعية. وإذا تحدثنا عن واجب الاحترام للمسن، فلا بد أن نشير إلى أن كبارنا عليهم التزامات تيسر على المحيطين بهم رعايتهم وتوقيرهم. فالحديث الذي تحدث عن احترام الكبير ألزم الكبير بالعطف على الصغير، والمعاملة اللينة واللطف فهذا يجمع القلوب حول صاحبها، لكن القسوة والفظاظة وغلظة التعامل عوامل طاردة، ولو صدرت من نبي، قال تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ» سورة آل عمران (159). والآية الكريمة تطلب من الكبير ألا يستبد برأيه وألا يرفض المستجدات دون نظر أو تفكير، فطول العمر ليس بالضرورة دليلا على امتلاك ناصية الحقيقة أو الصواب الوحيد. ونحتاج إلى تفهم الاختلاف في الأفكار أو العادات الناجم عن الفجوة بين الأجيال (generation gap) وهو مصطلح يستخدم لوصف الفروق بين الكبار والصغار، وهي فروق ثقافية تجعلهم مختلفين في الأفكار والاتجاهات والسلوكيات، لا سيما مع الانفتاح على العالم، والثورة الاتصالية، والمعرفية لكن هذا الاختلاف يعالج بحوار هادئ، وليس بالتسفيه أو السخرية. ومما يفرض احترام المسن تقديمه القدوة والنموذج، بعيدا عن النزق أو التصابي، فاستقامة السلوك وصلاح العمل تمنح أهلها الخيرية الاجتماعية، لجواب النبي -صلى الله عليه وسلم- على سائله: مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ» [رواه الترمذي]. وعلى ذكر التصابي، هناك بعض المسنين يحاولون البحث عن وسيلة تعيدهم إلى سنوات الشباب، فينفرون من زوجاتهم المسنات، ويرون في الزواج من فتاة صغيرة استرجاعا لسنوات الشباب، هي صفقة قد تغري بعض الأسر أو الفتيات؛ أملا في الحصول على الثراء السريع. ومع أن نكاح الكبير من الصغيرة جائز شرعا؛ لكن التقارب في السن بين الزوجين أمر مستحسن، وهو من أسباب الألفة بينهما، والاحترام المتبادل، ومما يدل على مراعاة الكفاءة العمرية، حديث بريدة قال: خطب أبوبكر وعمر -رضي الله عنهما- فاطمة -رضي الله عنها-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنها صغيرة، فخطبها علي، فزوجها منه. [رواه النسائي]. الشيخوخة آخر مرحلة عمرية ننتهي إليها جميعنا، «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً» سورة الروم (54)، فعامل المسن بما تحب أن تعامل به، وكما تدين تدان.